فقه

رسؤال وجواب في الشهر المبارك -3

سؤال وجواب في الشهر المبارك -3

(14)   السؤال :   بعض الناس يصلي مع الإمام أربع ركعات ثم ينصرف ، ما رأيكم ؟

الجواب :   من صلى مع الإمام أربع ركعات أو أكثر ثم انصرف قبل الإمام فاته خير عظيم ، وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة ))                         رواه النسائي ( 1292 ).

فمن استعجل الانصراف إلى بيته   أو غيره ، ولم يوتر مع الإمام فاته هذا الثواب  الجزيل . وبعض الناس يقول : أريد تأخير الوتر إلى آخر الليل ! وهذا خطأ ! بل الأفضل له أن يوتر مع الإمام ليكتب له قيام الليل كله ، فإن قام من آخر الليل فله أن يصلي ما شاء ، لكن دون أن يوتر مرة أخرى ، لقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا وتران في ليلة )) .  رواه الترمذي ( 473 ) والنسائي ( 1585 ) من حديث            طلق بن علي رضي الله عنه .

سؤال وجواب في الشهر المبارك -3

(14)   السؤال :   بعض الناس يصلي مع الإمام أربع ركعات ثم ينصرف ، ما رأيكم ؟

الجواب :   من صلى مع الإمام أربع ركعات أو أكثر ثم انصرف قبل الإمام فاته خير عظيم ، وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام ليلة ))                         رواه النسائي ( 1292 ).

فمن استعجل الانصراف إلى بيته   أو غيره ، ولم يوتر مع الإمام فاته هذا الثواب  الجزيل . وبعض الناس يقول : أريد تأخير الوتر إلى آخر الليل ! وهذا خطأ ! بل الأفضل له أن يوتر مع الإمام ليكتب له قيام الليل كله ، فإن قام من آخر الليل فله أن يصلي ما شاء ، لكن دون أن يوتر مرة أخرى ، لقوله عليه الصلاة والسلام : (( لا وتران في ليلة )) .  رواه الترمذي ( 473 ) والنسائي ( 1585 ) من حديث            طلق بن علي رضي الله عنه .

(15)   السؤال :   هل يجوز إخراج زكاة الفطر من أول الشهر ؟ وهل يجوز إخراجه نقدًا ؟

الجواب :   السنة في زكاة الفطر أن تؤدَّي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد ، لما روى البخاري ( 3/367 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدَّي قبل خروج الناس إلى الصلاة )) . ووقت وجوبها : غروب الشمس ليلة الفطر ، لأنه وقت الفطر من رمضان .

ويجوز أن تدفع قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة ، لما رواه مالك في الموطأ عن نافع : أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي كان يجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة ، وأخرجه الشافعي عنه واستحسنه ، أي : التعجيل قبل الفطر .

أما مقدارها فصاع من التمر أو شعير أو زبيب أو حنطة  أو أرز أو أقط أو من غالب قوت البلد . والصاع أربعة  أمداد ، والمد ملءُ كفَّي الرجل وهو يعادل اليوم ( اثنين كيلو ونصف تقريبا من الرز ).

وظاهر الأدلة على أنه لا يجوز إخراج البدل النقدي عن زكاة الفطر ، وهذا قول أكثر العلماء ، ولم يجز إخراج المال إلا أبو حنيفة رحمه الله تعالى ، ولم يثبت ذلك عن أحدٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ،            ( وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  ) .

 (16)   السؤال :  بعض الناس تراه محافظا على الصلاة في رمضان ويتركها بعده ،            بماذا  تنصحونه ؟

الجواب :   نقول : يا عبد الله ، كن ربانيا ولا تكن رمضانيا ؟! فإن الأعمال التي كان يتقرب بها العبد في شهر رمضان إلى الله ، لا تنقطع بانقضاء شهر رمضان ، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام حيًّا ، فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله .

قيل لبشر : إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان ! فقال : بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان ، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها .

وقال الحسن رحمه الله : إن الله  لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ، ثم قرأ  ] وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [ ( الحجر : 99 ) وقال تعالى ] وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [            ( النحل :92 ).

لأن من ترك الصلاة والعبادة بعد رمضان يكون قد نقض غزله ، وهدم بنيانه !

وقال السلف : من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها ، فعلامة قبولها : أن يصلها بطاعة أخرى ، وعلامة ردها : أن يعقب تلك الطاعة بمعصية ، فلنسأل الله تعالى جميعا الثبات على دينه ، ولنستعذ بالله عز وجل من الحور بعد الكور ،  و من أن نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله .

(17)   السؤال :  ما صحة حديث : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) ؟ وإذا كان صحيحا فما توجيهه ؟

       الجواب : الحديث صحيح ، رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن ، من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، وقد أكثر مسلم من إخراج أحاديثه والاحتجاج به ، وقد صححه جماعة من الحفاظ .انظر المحلى لابن حزم    ( 6/453) والمداوي لعلل الجامع الصغير (1/322) وصححه العلامة الألباني ، انظر صحيح الجامع وصحيح السنن ( 2337 ) .

                   أما معناه : فقال الخطابي : ويشبه أن يكون حديث العلاء اثبت معنى كراهة صوم يوم الشك ليكون في ذلك اليوم مفطراً ، أو يكون استحب إجماع الصائم في بقية شعبان يتقوى بذلك على صيام الفرض في شهر  رمضان ، كما كره للحاج الصوم بعرفة ليتقوى بالإفطار على الدعاء ، اهـ .

          وقيل بعدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول ، أو يوافق عادة له ، وهو الأصح عند الشافعية . فيض القدير ( 1/304 ) .

          قلت : وكذا لو كان على الإنسان قضاء من رمضان ، لحديث عائشة رضي الله عنها : (( كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان )). رواه البخاري وغيره ، وهذا عام في شعبان كله ، والله أعلم .

(18)   السؤال :  هل إذا رأى أهل البلد الهلال وثبتت عندهم  الرؤية يلزم البلد المجاور لهم أو البلاد الإسلامية كلها أن يصوموا أو يفطروا برؤيتهم ؟ أم أن لكل أهل بلد رؤية خاصة  بهم ؟  أفتونا مأجورين .

الجواب :  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،

وبعد :

فقد قال الله تعالى : ] فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [ ( البقرة : 185 ) أي : من شهد استهلال     الشهر ، وهي رؤية الهلال فليصم .

كما قال صلى الله عليه وسلم  (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُم عليكم فأكملوا  شعبان ثلاثين )) .               متفق عليه من حديث أبي هريرة .

وقال صلى الله عليه وسلم  (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا لها ، فإن غُم عليكم فأتموا   ثلاثين ، فإن شهد شاهدان مسلمان ،  فصوموا وأفطروا )) رواه أحمد والنسائي عن رجال من الصحابة .

ومعنى قوله : ( وانسكوا لها ) : أي تقربوا إلى الله تعالى بالصوم في رمضان ، والإفطار في أول شوال وبالأضحية وأعمال الحج في وقتها – الفتح الرباني ( 9/264 ) وانظر التيسير  شرح الجامع الصغير  للمناوي ( 2/96 ).

فبرؤية الهلال يجب على المسلمين صوم رمضان ، وبرؤيته يجب عليهم الإفطار ، وكذا إثبات شهرذي الحجة .

ويستفاد من الحديثين : أنه إذا رؤي الهلال ببلدة لزم جميع بلاد المسلمين  الصوم ، وهو مذهب الأئمة مالك وأبي حنيفة وأحمد والليث بن سعد ، وحكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء .

وقال ابن قدامة في المغني ( 4/ 328 ): وإذا رأى الهلال  أهل بلد ، لزم جميع البلاد الصوم . وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي .

وقال بعضهم : إن كان بين البلدين مسافة قريبة ، لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة ، لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في أحدهما ، وإن كان بينهما بعد ، كالعراق والحجاز والشام ، فلكل أهل بلد رؤيتهم .

وروي عن عكرمة أنه قال : لكل أهل بلد رؤيتهم ، وهو مذهب القاسم ، وسالم ، وإسحاق ، لما روى  كريب ، قال : قدمت الشام ، واستهلَّ عليَّ هلال رمضان ، وأنا بالشام ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس ، ثم ذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ قلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال أنت رأيته ليلة الجمعة ؟ قلت : نعم ،  ورآه الناس ، وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكن رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . فقلت : ألا تكتفي برؤية معاويه وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  . (رواه مسلم ) .

قال ابن قدامة : ولنا قول الله تعالى : ] فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [   ( البقرة : 185 )  .        وقول النبي صلى الله عليه وسلم  للأعرابي لما قال له : آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال : (( نعم )) وقوله للآخر لما قال له : ماذا فرض الله عليَّ من الصوم ؟ قال: (( شهر رمضان )) متفق عليه .                                                      

وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان ، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان ،           بشهادة الثقات  ،  فوجب صومه على جميع المسلمين ، ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين ، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ، ووقوع الطلاق والعتاق ، و وجوب النذور ، وغير ذلك من الأحكام ، فيجب صيامه بالنص والإجماع ، ولأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال ، فيجب الصوم ، كما لو تقاربت البلدان .

فأما حديث كريب فإنما دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ، ونحن نقول به ، وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول ، وليس هو في الحديث . فإن قيل : فقد قلتم إن الناس إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما ، ولم يروا الهلال ، أفطروا في أحد الوجهين ، قلنا : الجواب عن هذا من وجهين ، أحدهما : أننا إنما قلنا يفطرون إذا صاموا بشهادته ، فيكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته ، و  ههنا لم يصوموا  بقوله  ، فلم يوجد ما يجوز بناء الفطر عليه . الثاني : أن الحديث دل على صحة الوجه الآخر . انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة – كما في الفتح الرباني  ( 9/271 ) معقبا على حديث كريب عن ابن عباس : ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث العام يعني  قوله صلى الله عليه وسلم  :  (( لا تصوموا  حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه )) لا حديثا خاصا بهذه المسألة ،  وهو الأقرب عندي . انتهى .

وقال في فتوى له – كما في مجموع الفتاوى ( 25/105 ) – بعد أن حكى   الاختلاف : فالصواب في هذا – والله أعلم – ما دل عليه قوله : (( صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون ، و أضحاكم     يوم تضحون ))  فإذا شهد شاهد ليلة الثلاثين من شعبان أنه رآه بمكان من الأمكنة ، قريب أو بعيد ،    وجب الصوم .

وكذلك إذا شهد بالرؤية نهار تلك الليلة إلى الغروب ، فعليهم إمساك ما بقي ، سواء كان من إقليم أو إقليمين .

والاعتبار ببلوغ العلم بالرؤية في وقت يفيد ، فأما إذا بلغتهم الرؤية بعد غروب الشمس ، فالمستقبل يجب صومه بكل حال ، لكن اليوم الماضي : هل يجب قضاؤه ؟ فإنه قد يبلغهم في أثناء الشهر أنه رؤي   بإقليم ، ولم ير قريبا منهم ، الأشبه أنه إذا رؤي بمكان قريب ، وهو ما يمكن أن يبلغهم خبره في اليوم الأول فهو كما لو رؤي في بلدهم ولم يبلغهم .

إلى أن قال : فالضابط : إن مدار هذا الأمر على البلوغ ، لقولهصلى الله عليه وسلم  : (( صوموا لرؤيته )) فمن بلغه أنه  رؤي ، ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلا …

وقال ( ص 111 ) : فتلخص : أنه من بلغه رؤية الهلال في الوقت الذي يؤدي بتلك الرؤية الصوم ، أو الفطر ، أو النسك ، وجب اعتبار ذلك بلا شك ، والنصوص وآثار السلف تدل على ذلك .

                   ومن حدَّد ذلك بمسافة قصر أو إقليم ، فقوله مخالف للعقل والشرع .

          ومن لم يبلغه إلا بعد الأداء ، وهذا مما لا يقضي كالعيد المفعول والنسك ، فهذا لا تأثير له ، وعليه الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر . وأما إذا بلغه في أثناء المدة : فهل يؤثر في وجوب القضاء ؟ وفي بناء الفطر عليه ، وكذلك في بقية الأحكام : من حلول الدين ، ومدة الإيلاء وانقضاء العدة ، ونحو ذلك ، والقضاء ، يظهر لي أنه يجب ، وفي بناء الفطر عليه نظر .

فهذا متوسط في المسألة ، وما من قول سواه إلا وله لوازم شنيعة ، لاسيما من قال بالتعدد ، فإنه يلزمه في المناسك ، ما يعلم به خلاف دين الإسلام ، إذا رأى بعض الوفود أو كلهم الهلال ، وقدموا مكة ،       ولم يكن رؤي قريبا ، ولما ذكرناه من فساده صار متنوعا .

والذي ذكرناه يحصل به الاجتماع الشرعي ، كل قوم على ما أمكنهم الاجتماع عليه ، وإذا خالفهم من لم يشعروا بمخالفته لافراده من الشعور بما ليس عندهم لم يضروا هذا ، وإنما الشأن من الشعور بالفرقة والخلاف .

وتحقيق ذلك العلم بالأهلة ، فقال : ] هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ  [  ( البقرة: 189 )   إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار : ( 4/268 ) : واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس ، والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل   ثلاثين . والأمر الكائن من  رسول الله  صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ : (( لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غُم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )) وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الافراد ،  بل  هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين ، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على اللزوم ، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم ، ولو سَلِم توجُّه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر ، لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل ، وهو أن يكون بين القطرين من البعد ،      ما يجوز معه اختلاف المطالع ، وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد ، وليس بحجة ، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل ،  فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية ،   والرؤية من جملتها، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا، فلا يقبل التخصيص إلا بدليل ، ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص ، إن كان النص معلوما ، أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما ، لوروده على خلاف القياس .

ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم  ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه ، إنما جاء بصيغة مجملة ، أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد . ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم .

فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به ، فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم ، ويمكن أن يكون في ذلك  حكمة لا نعقلها ، ولو سلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به ، فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر ، وأما في أقل من ذلك فلا ، وهذا ظاهر . فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد ، في المنع من العمل بالرؤية .

( والذي ينبغي اعتماده ) هو ما ذهب إليه المالكية جماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم ، وحكاه القرطبي عن شيوخه ، أنه : إذا رآه أهل بلد ، لزم أهل البلاد كلها ، ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول  خلاف الإجماع ، قال : لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعي الرؤية فيما بَعُد من البلدان كخراسان والأندلس ، وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة . اهـ . يريد بالجماعة  ( أبا حنيفة ومالكا وأحمد بن حنبل ) رحمهم الله .

فهذا القول هو الصواب في المسألة ، كما يتبين من عموم قوله صلى الله عليه وسلم  : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )) وما ذكره شيخ الإسلام والشوكاني وغيرهما فيه مقنع لمن أراد الحق .  وهو اختيار  صديق حسن خان في الروضة الندية ( 1/533-534 ) .

لكن قال العلامة الألباني رحمه الله في تمام المنة ( ص 398 ) : وهذا أمر متيسر اليوم للغاية  كما هو معلوم ، ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى . وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك ، فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ،  ولا ينقسم على نفسه ، فيصوم بعضهم معها ، وبعضهم مع غيرها ، تقدمت في صيامها أو تأخرت ، لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد ،كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين والله المستعان .والله أعلم .

          وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى