دعوة

الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم

من تبديل نعمة الله  كفرا !!

 

 

الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين القيم، والملة الحنيفية، وجعله على شريعة من الأمر وأمره باتباعها، وأمره بأن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَن اتَّبَعَنِي}(يوسف: 108). صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.

وبعد: فإن الله عز وجل لم يخلق الخلق عبثاً، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَىْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} (المؤمنون: 115).

بل خلقهم لغاية ذكرها في كتابه الكريم في أكثر من موضع، فقال تعالى: { الَذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك: 2) وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56). فالحكمة من خلقه للخلق هي اختبارهم وابتلاؤهم ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

فهذه هي الحكمة من خلقهم أولاً وبعثهم ثانياً. ولذلك لم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم رسله، فكان من سنة الله تبارك وتعالى أن أرسل الرسل تترا، في كل أمة رسول، لهداية الخلق وإقامة الحجة، كما قال تعالى: {ولقدْ بَعثْنا في كلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أن اعبُدوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36) وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْـحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24). وقال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} (المؤمنون: 44) وقال تعالى: {رسلاً مبشرين و مذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و كان الله عزيزاً حكيماً} (النساء:165). فالرسل عليهم الصلاة والسلام هم الواسطة بين الله عز وجل وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه وإرشاد العباد إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم.

وإن الله تبارك وتعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأرسله للناس أجمعين، وأكمل له الدين، وبعثه على حين فترة من الرسل، وظهور الكفر وانطماس السبل، فأحيا به ما درس من معالم الإيمان، وقمع به أهل الشرك والكفران من عبدة الأوثان والنيران والصلبان، وأذل به كفار أهل الكتاب، وأهل الشرك والارتياب، وأقام به منار دينه الذي ارتضاه للخلق أجمعين.

فالله سبحانه وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم للناس رحمة وأنعم به عليهم نعمة، ويا لها من نعمة: قال تعالى: {وَمَا أرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَـمِينَ} (الأنبياء: 107). وقال تعالى: {ألمْ ترَ إلَى الذينَ بدَّلُوا نعمةَ الله كُفراً} (إبراهيم: 28). وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لكفرهم بهذه النعمة الجليلة ، والمنحة الالهية .

وقد جمع الله تعالى لهذه الأمة بخاتم النبيين وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، ما تفرق في غيره من الأنبياء والمرسلين، وزاده من فضله عليهم، وخصه صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء، وجعل دينه وشرعه ومنهاجه أفضل وأكمل دين وشرع ومنهاج. وأمته أفضل الأمم وسطاً عدلا خياراً، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

فكمل الله به الرسالة ، وهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وفتح برسالته أعيناً عمياً، وآذاناً صما، وقلوباً غلفاً، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، فأقام بها الملة العوجاء، وأوضح بها المحجة البيضاء، وبان طريق الكفر من الإيمان، والربح من الخسران، والهدى من الضلال، وأهل الجنة من أهل النار، والمتقين من الفجار.

ولقد نوه الله عز وجل في كتابه الكريم بهذه النعمة العظمى التي امتن بها على هذه الأمة في آيات كثيرة منها:

قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (آل عمران: 164).

وقال تعالى: {لقَدْ جاءَكُم ْرسولٌ مِّنْ أنفُسِكُمْ عَزيزٌ عليهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌ عليكُمْ بِالمُؤمنينَ رءوفٌ رحيمٌ} (التوبة: 128).

وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي بعثَ في الأمِّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبينü وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم* ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (الجمعة: 2 – 4).

وإنما كان إرساله أعظم نعمة ومنة على العباد، لأن في ذلك تخليصاً لهم من العذاب الأبدي في النار، ومن الشقاء في الدنيا.

ولذا فالناس أحوج ما يكونون إلى الإيمان بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأخذ بما جاء به، بل حاجتهم إليه أعظم من حاجة الطعام والشراب، بل من الهواء الذي يتنفسونه.

ولذا فحق النبي الكريم المصطفى صلى الله عليه وسلم على الخلق حق عظيم، ودرجته درجة رفيعة عالية، يجب أن تحفظ وتراعى، تكريماً له وتشريفاً لزاماً لا اختياراً.

وأعظم تلك الحقوق: الشهادة له بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدينونة بهذه الكلمة بالإيمان به وتصديقه، وطاعته فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وقبول أخباره واعتقادها، وعدم ردها أو التشكيك بها.

وللأسف الشديد، فإن كثيراً من المسلمين اليوم على درجة كبيرة من الجهل بحقوقه صلى الله عليه وسلم وعدم القيام بها.

وهم على طرفي نقيض:

إما مقصر في هذه الحقوق الواجبة، فلا يقوم بها ولا يلتفت إليها، جهلاً أواستهتاراً.

وإما مبتدع غال، خارج عن هديه وسنته، وهو يظن أنه يحسن صنعاً!!

وكلا الطرفين مذموم كما هو معلوم.

نعود فنقول: إن ما حصل في هذه الأيام من قيام بعض الجرائد الغربية بنشر صور مسيئة تمثل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصورة منفرة قبيحة، هو من أعظم التضييع لحقه صلى الله عليه وسلم، والتعدي عليه، والتطاول على مقامه الشريف

وقد قال أهل العلم – شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره – إن التعدي على النبي صلى الله عليه وسلم وسبه والتنقص له تتعلق به عدة حقوق:

أولها: حق الله سبحانه، من حيث هو كفر برسوله، ومعاداة لأفضل أوليائه ومبارزة له بالمحاربة، ومن حيث هو طعن في اختياره واصطفائه سبحانه له، فإنه هو الذي اختاره واصطفاه رسولاً خاتماً للبشرية، وهذا من الطعن في ألوهيته سبحانه، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسل، والتكذيب به تكذيب لله تبارك وتعالى.

ثانياً: حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن السب والقدح راجع إلى شخصه الكريم، والإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل إن الوقيعة في عرضه قد يكون أعظم من قتله، فإن قتله لا يقدح في نبوته ورسالته وعلو قدره، بخلاف الوقيعة في عرضه، فإنها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفرة عنه وسوء الظن به، ما يصدهم عن الإيمان به، ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة.

ثالثاً: حق جميع المؤمنين، من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصاً أمته، وقيام أمر دينهم ودنياهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم بواسطته وسفارته، فالسب له أعظم من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جميعهم، كما أنه صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين.

وبهذا يعلم ما في سبه صلى الله عليه وسلم من الأذى لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولعباده المؤمنين، ما ليس في غيره من الأمور كالكفر والمحاربة.

وقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لعَنهمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرةِ وأعدَّ لهُم عذَاباً مُّهِيناً} (الأحزاب: 57). ولاحظ كيف قرن الله تعالى بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه، كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه، وفي هذا بيان تلازم الحقين.

وهذا الحكم على الساب، يستوي فيه الجاد والهازل والمستهزئ، بدليل قوله تعالى:{ وَلئن سألتَهُمْ لَيقُولُنَّ إنما كنا نخوض ونلعب قُل أبِاللَّهِ وآياتِه ورسولِه كُنتمْ تَستَهزئونَ* لاَ تعتذُروا قَدْ كفرتُم بعدَ إيمانِكمْ إن نَّعفُ عن طائفةٍ مِّنكمْ نُعذِّبْ طائفةً بأنهم كانوا مجرمين} (التوبة: 65، 66).

فالساب له صلى الله عليه وسلم يكفر على كل حال. وهو مذهب الأئمة الأربعة.

وآخرنا دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى