دعـوة

10 – مسائل في ا لاعتصام بالكتاب والسنة

المسألة العاشرة

لا اعتماد إلا على الحديث الثابت

الأدلة من القرآن الكريم:

1- قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ (الحجرات:6).

الأدلة من السنة:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر الزمان أناسٌ يُحدِّثونكم ما لمْ تسمعوا أنتم و لا آباؤكم، فإياكم إياهم»

و في رواية: «يكون في آخر الزمان دجَّالُون كذَّابُون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم و لا آباؤكم، فإياكم و إياهم، لا يُضلُّونكم و لا يفتنونكم»(1).

2- عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إياكم و كثرة الحديث عني، مَنْ قال عليَّ فلايقولَنَّ إلاَّحقاً أو صدقاً،فمن قال عليَّ مالم أقل فليتبوَّأْ مقعدَه من النار»(2).

الآثار:

1-     عن مُجاهدٍ قال: جاءَ بُشَيْرٌ العدَويُّ إلَى ابن عبَّاسٍ. فجعلَ يُحدِّثُ و يقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .فجعل ابن عباسٍ لا يأذنُ لحديثهِ و لا يَنظُرُ إليهِ. فقال: يا ابن عباسٍ! مالِي لا أراكَ تسمعُ لحديثي؟ أُحدِّثُكَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  و لا تسْمعُ. فقال ابنُ عباسٍ: إنَّا كُنَّا مرَّةً إذا سمِعْنا رجُلاً يقُول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابتدَرَتْهُ أبْصارُنا، و أصغَيْنا إليْهِ بآذاننا، فلمَّا ركبَ النَّاسُ الصَّعْبَ و الذُّلولَ، لمْ نأخذْ مِن النَّاسِ إلاَّ ما نعْرِف(3).

2- عن محمد بن سيرين قال: إنَّ هذا العلمَ دينٌ، فانظُروا عمن تأخذون دينكم(4).

و العلم المقصود هو: حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يؤخذ إلا عن الثقات الأثبات، أهل الصدق و الأمانة.

3- و قال أيضاً: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رِجالَكمْ، فَيُنْظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثُهم(5).

4- و عن سليمان بن موسى قال: لقيت طاوساً فقلت: إنَّ فلاناً حدثني بكذا و كذا، قال: إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه(6).

5- قال ابن حزم رحمه الله: «ما نقل أهلُ المشرق و المغرب، أو كافة عن كافة، أو ثقة عن ثقة، حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم  إلا إن كان في الطريق رجلاً مجروحاً بكذب، أو غفلة، أو مجهول الحال، فهذا يقول به بعض المسلمين، و لا يحل عندنا القول به، و لا تصديقه،

و لا الأخذ بشيء منه» (7).

6- و قال الحافظ ابن رجب في شرح الترمذي: «و ظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه «الصحيح» يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب و الترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام».

و هذا هو الحق الذي سار عليه أئمة الحق عبر القرون، فما كان من حديث صحيح احتجوا به و التزموه، و ما كان من حديث اطرحوه، و إلا فما معنى قول الأئمة الأربعة (و اتفقوا على هذه المقالة) «إذا صح الحديث فهو مذهبي». أي: صح الحديث ذهبنا إليه، و هذا واضح عند ذوي البصائر.

ثم الحديث الضعيف يفيد الظن المرجوح بلا خلاف،و إذا كان كذلك، فكيف يقال بجواز العمل به؟! و الله قد خاطب الكفار بقوله : ]قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ [ (الأنعام:148) أي: هل عندكم علم أن الله راض عنكم فيما أنتم به فتخرجوه لنا؟ الجواب: لا، لأنهم يتبعون الخيال والوهم، و قال تعالى: ]إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا[ (النجم:28) فأخبر تعالى أن الظن لا يفيد علماً و لا يفيد حقاً. و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إياكمْ و الظن فإنَّ الظنَّ أكذَبُ الحديثِ» متفق عليه.

فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً، لا في الأحكام و لا في الفضائل و المستحبات، لأن المستحب حكم تكليفي، و الحكم التكليفي لا يثبت إلا بدليل صحيح، كما قال المحقق جلال الدين الدواني: «اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا يثبت به الأحكام الخمسة الشرعية، و منها: الاستحباب». و العجب بعد ذلك أن يدَّعي البعض: أن العمل بالحديث الشريف في فضائل الأعمال عليه جمهور أهل العلم!!! و أنه يجوز روايتها دون بيان ضعفها!!!

7- قال العلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث: «و الذي أراه أن بيان الضعيف في الحديث الضعيف: واجب في كل حال، لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح، خصوصاً إذا كان الناقل له من علماء الحديث، الذين يرجع إلى قولهم في ذلك».

و قد يسوغ بعضهم ذلك بقوله: يجوز رواية الأحاديث الضعيفة في المواعظ و الترغيب

و الترهيب، و ما أشبه ذلك، و ممن روي عنه التساهل في روايتها من المتقدمين: سفيان الثوري، و عبد الرحمن بن مهدي، و أحمد بن حنبل.

فنقول: قد بيَّن العلماء أن التساهل المذكور إنما هو الأخذ بالحديث الحسن، لا الضعيف المردود:ـ

قال العلامة أحمد شاكر: «و أما ما قاله أحمد بن حنبل وعبدالرحمن بن مهدي و عبد الله بن المبارك: «إذا روينا في الحلال شدَّدنا، و إذا روينا في الفضائل و نحوها تساهلنا» فإنما يريدون به ـ فيما أرجح و الله أعلم ـ أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم مستقراً واضحاً، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط» انتهى (المصدر السابق).

9- و ما قاله أحمد شاكر قد قاله قبله الحافظ ابن رجب الحنبلي في «شرح علل الترمذي»         (ص 259) فقد قال: «و كان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، و مراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن». و هذا واضح و لله الحمد.

ثم قال (ص 85): «و ما كان أحمد بن حنبل و لا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة، و من نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح و لا حسن  فقد غلط عليه …».

10- و قال العلامة الراحل الألباني رحمه الله تعالى، بعد أن ذكر كلام أحمد شاكر السابق:

«و جملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها أن يَدَعوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً، و أن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم  ففيها ما يغني عن الضعيفة، و في ذلك منجاة من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأننا نعرف بالتجربة، أن الذين يخالفون في هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب، لأنهم يعملون بكل ما هب و دب من الحديث، و قد أشار النبي صلى الله عليه وسلم  إلى هذا بقوله: «كفى بالمرءِ كذباً أن يحدِّث بكلِّ ما سمعَ».

و عليه أقول: كفى بالمرء ضلالاً أن يعملَ بكلِّ ما سمع.

و تحقيقاً مني للنصح المذكور، صنفت و لا أزال أصنف من الكتب ما به يستعين القراء على تمييز الصحيح من الضعيف، و الطيب من الخبيث، مما يدور على ألسنة الناس، أو سجل في بطون الكتب من الحديث» (8).

الهوامش :

1-حديث صحيح ، رواه والذي قبله مسلم في مقدمة كتابه (1/12) باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها .

2-رواه أحمد (5/297) وغيره .

3-رواه مسلم في المقدمة (1/13).

4-المصدر السابق .

5-المصدر السابق .

6-المصدر السابق.

7-المفصل في الملل والنحل .

8-مقدمة كتابه : (( صحيح الجامع الصغير )).

 

زر الذهاب إلى الأعلى