دعـوة

فضل التعاون على البر والتقوى ومشروعيته 1

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

فهذه مقتطفات من الأدلة القرآنية ، والأحاديث النبوية ، مطعمة ببعض فتاوى علمائنا قديماً وحديثاً ، في فضل التعاون على البر والتقوى

والدعوة إلى الله تعالى ، والإجتماع على التعليم والإرشاد ، لاسيما في هذه العصور المتأخره التي فَشَا فيها الجهل ، وعَّمتْ فيها الغفلة ، وكثُر فيها دعاة الضلالة في الأمة وهي مرحلة تتطلب مضاعفة الجهود ، وتضافر الأيدي، للنهوض بالأمة إلى ما يحب الله تعالى ورسوله r من العلم النافع والعمل الصالح ، لا العزلة والإنفراد ، والدعوة العَفْوية ، والتَّشتت والتفرق ، أو الدعوة إلى ذلك وعّده منهجاً للسلف ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

والعجب أنَّا قد وجدنا أناساً ينكرون علينا قولنا بذلك ، ثم هم أنفُسُهم يخالفون أنَفَسهم ! فتجدهم يقيمون الندوات ، و يديرون المحاضرات والدورات الشرعية ، ويؤسسون المجلات والمراكز الإسلامية ، وغير ذلك الكثير ، مما لا يقوم إلا بعمل جماعي وتنظيم ، ووجود آمرٍ ناه ، .. ولكنهم يسمونه بغير اسمه !!

فهذه رسالة فيها جواب شاف لما ذكرنا ، إن شاء الله تعالى .

 وذكرت في نهاية الرسالة بعض الضوابط المطلوبة التي ذكرها أهل العلم للعمل الجماعي مختصرة .

اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهدينا جميعا سواء السبيل ، وأن يصلح ذات بيننا ويؤلف على الخير قلوبنا ، أنه سبحانه سميع قريب مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

فضل التعاون على البر والتقوى ومشروعيتة

دلَّ على شرعية التعاون على البر والتقوى ومشروعيتة بل وفضله نصوص الكتاب والسنة المطهرة ، والقواعد الفقية الأصولية ، وآثار السَّلف الصالح رحمهم الله تعالى .

* أما نصوص الكتاب والسنة في الترغيب في  التعاون بين المؤمنين فهي كثيرة مستفيضة ، نذكر منها :

1 – قوله تعالى : { وتَعَاونوا على البِّر والتقوى} وهو أَمرٌ صريح من الله تعالى بضرورة التعاون على فعل الخيرات والطاعات .

قال السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره ( 2 / 112 ) : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) : أي لِيُعنْ بعضكم بعضاً على البر وهو اسمٌ جامع لكُلِّ ما يُحبه الله ويرضاه ، من الأعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الآدميين ، و التقوى في هذا الموضع اسمٌ جامع لتركِ كلِّ ما يكرهه الله ورسوله من الأعمال الظاهرة والباطنة ، وكل خصلةٍ من خصال الخير المأمور بفعلها ، أو خصلةٍ من خصال الشَّر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المؤمنين بكلِّ قولٍ يَبْعث عليها ويُنَشِّطُ لها ، وبكل فعل كذلك . انتهى .

2 – وقوله : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداء فاَّلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شَفَا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يُبيِّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون } [ آل عمران : 103 ]

قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله ) قيل : بعهد الله وقيل : يعنى القرآن .

وقوله ( ولا تفرقوا ) أمرهم بالجماعة ونهاهم عن الفُرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التَّفرق والأمر بالإجتماع والإئتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبو هريرة أن رسول الله r قال : إنَّ الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثاً ، رضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تُناصحوا مَن ولاَّه الله أمركم … الحديث .

وقد ضُمِنتْ لهم العِصمة عند اتفاقهم من الخطأ ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً ، وخيف عليهم الإفتراق والإختلاف وقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاثٍ وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجيةٌ إلى الجنة ، ومسلَّمة من عذاب النار ، وهم الذين على ما كان عليه النبي r وأصحابه [ع ع1] [1] .

فالإجتماع محمود والتفرق أفراداً وأوزاعاً مذموم كما هو نص الآية وتفسيرها .

3 – قوله تعالى : { ولتكن منكم أُمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون } أي لتكن منكم طائفة يقومون بدعوة الناس إلى الخير وهو الدين أصوله وفروعه ( ويأمرون بالمعروف ) وهو ما عُرف حُسنه شرعا وعقلا ( وينهون عن المنكر ) وهو ما عُرف قبحه شرعا وعقلا ( وألئك هم المفلحون ) المدركون لكل مطلوب ، الناجون من كلِّ مرهوب .

وقوله ( ولتكن منكم أمة ) طلب من الله تعالى يدلُّ على وجوب الفعل .

4 – ثم نهاهم الله تعالى بعد هذه الآية عن التفرق والإختلاف فقال   ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وألئك لهم عذابٌ عظيم ) فنهى الله عباده عن سلوك مسلك المتفرقين الذين جاءهم العلم والبينات الواضحات الموجب لقيامهم به واجتماعهم عليه فتفرقوا واختلفوا وصاروا متنافرين متناثرين .

وفي تفسير (( المنار )) لرشيد رضا رحمه الله كلام جيد ، وتفسير واستنباط حسن لهذه الآيات ، إذ يقول : أما المتفقون الذين جمعوا عزائمهم وإرادتهم على العمل بما فيه مصلحة أمتهم وملتهم واعتصموا واتفقوا على الأعمال النافعة التي فيها عزتهم وشرفهم ، وأصبح كل واحد منهم عوناً للآخر وولياً له فأولئك تبيض وجوههم – أي تنبسط وتتلألأ بهجةً وسروراً – عند ظهور أثر الاتفاق والاعتصام ونتائجهما وهي السلطة والعزة والشرف وارتفاع المكانة وسعة السلطان . وهذا الأثر ظاهر في الأمم المتفقه المتحدة التي يتألم مجموعها إذا أُهين واحدٌ منها في قطر من أقطار الأرض بعيد أو قريب تُجيَّش جميعها مطالبة بنَصره والانتقام له لأنه ظُلِم وأهين ، ولا يصح عندها أن يكون منها ثم يظلم أو يهان وتكون هي راضية ناعمة البال . أولئك الأقوام ترى على وجوههم لألاء العزة ، وتألق البشر بالشرف والرِّفعة ، وهو ما يُعبر عنه ببياض الوجه .

وأما المختلفون لافتراقهم في المقاصد ، وتباينهم في المذاهب والمشارب ، والذين لا يتناصرون ولا يتعاضدون ولا يهتم أفرادهم بالمصلحة العامة التي فيها شَرَفُ الملة وعزة الأمة فهم الذين تَسودُّ وجوههم بالذلة والكآبة ، يوم تظهر عاقبة تفرقهم واختلافهم بقهر الأجنبي لهم ونزعه السلطة من أيديهم . والتاريخ شاهد على صدق هذا الجزاء في الماضين ، والمشاهدة أصدق وأقوى حجة في الحاضرين 1 .

5 – قوله تعالى : { ولا تَطردِ الذين يدعون ربهم بالغداةِ والعشي يُريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابكَ عليهم مِن شيءٍ فتطردهم فتكونَ من الظالمين } [الأنعام : 52 ] .

الآية ترد على المشركين الذين طلبوا من النبي r أن يطرد بعض فقراء المسلمين ، فوافقهم في أول الأمر فنزلت الآية وفيها التوجيه الرباني[2] .

وفي الآية المحافظة على وحدة العصبة المؤمنة وأفرادها ، وعدم التفريط في واحد منها ، أو هَجْره بلا مسوِّغ شرعي .                             

 6 – قوله تعالى { واصْبِر نفسَك مع الذين يَدْعون ربَّهم بالغداةِ والعشي يريدون وجهه ولا تَعدُ عيناك عنهم تُريد زينةَ الحياة الدنيا ولا تُطعْ من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطا }  [ الكهف : 28 ]

والآية نزلت في الواقعة السابقة التي نزلت فيها آية الأنعام .

وفيها : الحرص على مصاحبة الجماعة المؤمنة الصالحة ومرافقتها ، وصبر النفس على ذلك ، وعدم الإنصراف عنها والإنشغال بزينة الحياة الدنيا وزخارفها ، فانه طريق الهلاك

——————————————————————————–

( 1 ) – تفسير ابن كثير ( 1 / 382 – 383 ) باختصار .

( 2 ) – انظر صحيح سنن ابن ماجة ( 4127 ) .

 

فضل التعاون على البر والتقوى -2-

 وأما نصوص السُّنة الشريفة في الحث على لزوم الجماعة والتمسك بها وترك التفرق ، فمنها على سبيل المثال لا الحصر :

1 – حديث أبي هريرة المرفوع الذي سبق ذكره : ان الله يرضى لكم ثلاثا … وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا 1 .

2 – حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي r قال : عليكم بالجماعة ، وإياكم والفُرقة ، فإن الشَّيطان مع الواحد ، وهو من الأثنين أبعد ، ومن أراد بُحْبُحة الجنةِ فعليه بالجماعة [1]2 .

3 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله r : لا يَجمع اللهُ أُمتي على الضَّلالةِ أبداً ، ويدُ الله على الجماعة 3

4 – حديث النعمان بن بشير مرفوعا: والجماعة رحمةٌ ، والفُرقة عذابٌ [2]. وغيرها من الأحاديث الكثيرة .

الإجتماع خير من الإنفراد

  الله تعالى ورسوله e  أمرا بالاجتماع ، ونهيا عن الفرقة والإختلاف  ، فمن اجتمع مع إخوانه على أمر ٍمحمود ، كان عمله محموداً ممدوحاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

  وأما لفظ الزعيم فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين ، قال تعالى : ( ولمن جاءَ به حِمْلُ بعيرٍ وأنا به زَعيمٌ ) فمن تكفَّل بأمر طائفةٍ فإنه يقال هو زعيم ، فإنْ كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك ، وإنْ كان شراً كان مذموماً على ذلك .

   وأما رأسُ الحزب فإنه رأس الطائفة التي تَتَحزب ، أي تصير حِزْبا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادةٍ ولا نقصان ؛ فهم مؤمنون ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . وإنْ كانوا قد زادوا في ذلك ونَقَصوا مثل التَّعصب لمن دَخَل في حزبهم بالحق والباطل ، والإعراضِ عمن لم يَدخل في حزبهم ، سواء كان على الحق والباطل ، فهذا من التفرق الذي ذمَّه الله تعالى ورسوله ، فإنَّ الله ورسوله أمرا بالجماعة والإئتلاف ، ونَهَيا عن التفرقة والإختلاف ، وامرا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان [3].

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

   وكل بني آدم لاتتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالإجتماع والتعاون والتناصر ، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم ، والتناصر لدفع مضارهم ، ولهذا يقال : الإنسان مدني بالطبع ، فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة ، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد ، والناهي عن تلك المفاسد فجميع بني آدم لابد لهم من طاعة آمر وناه[1] .

وقال الشيخ العلامة محمد رشيد رضا في المنار :

أما الأمر بالتعاون على البر والتقوى ، فهو من أركان الهداية الاجتماعية في القرآن ، لأنه يوجب على الناس ايجابا دينيا أن يعين بعضم بعضا على كل عمل من اعمال البر التي تنفع الناس افرادا واقواما في دينهم ودنياهم ، وكل عمل من أعمال التقوى التي يدفعون بها المفاسد والمضار عن انفسهم ، فجمع بذلك بين التحلية والتخلية ، وأمكنه قدم التحلية بالبر وأكد هذا الامر بالنهي عن ضده وهو التعاون على الإثم بالمعاصي وكل مايعوق عن  البر والخير وعلى العدوان الذي يغري الناس بعضهم ببعض ، ويجعلهم اعداء متباغضين يتربص بعضهم الدوائر ببعض .

كان المسلمون في الصدر الاول جماعة واحدة يتعاونون على البر والتقوى عن غير ارتباط بعهد ونظام بشري كما هو شأن الجمعيات  اليوم ، فان عهد الله وميثاقه كان مغنيا لهم عن غيره ، وقد شهد الله تعالى لهم بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ) ولما انتثر بأيدي الخلف ذلك العقد ، ونكث ذلك العهد ، صرنا محتاجين الى تأليف جمعيات خاصة بنظام خاص لأجل جمع  طوائف من المسلمين وحملهم على إقامة هذا الواجب  (( التعاون على البر والتقوى )) في أي ركن من أركانه أوعمل من أعماله ، وقلما ترى أحدا في هذا العصر ، يعينك على عمل من البر ، مالم يكن مرتبطا معك في جمعية ألفت لعمل معين ، بل لايفي لك بهذا كل من يعاهدك على الوفاء ، فهل ترجوا أن يعينك على غير ماعاهدك عليه ؟ فالذي يظهر ان تأليف الجمعيات في هذا العصر ، ممايتوقف عليه امتثال هذا الامر وإقامة هذا الواجب ، ومالايتم الواجب الابه فهو واجب كما قال العلماء ، فلا بد لنا من تأليف الجمعيات الدينية والخيرية والعلمية ، إذا كنا نريد ان نحيا حياة عزيزة ، فعلى أهل الغيرة والنجدة من المسلمين ان يعنوا بهذا كل العناية ، وان رأوا كتب التفسير لم تعن بتفسير هذة الآية ، ولم تبين لهم  أنها داعية لهم الى أقوم الطرق وأقصدها لاصلاح شأنهم في أمر دينهم ودنياهم ، اللهم انك تعلم اننا عنينا بتأليف جماعة يراد بها اقامة جميع ماتحب من  البروالتقوى ، وأصلاح أمر المسلمين في الدين والدنيا ، (( وهي جماعة الدعوة والارشاد )) اللهم أيد من أيدها ، واعن المتعاونين على أعمالها ، واخذل من ثبط عنها ، انك أنت العزيز القادر ، القوي القاهر ، العليم بمافي السرائر (1) .

       ____________________

( 1 ) تفسير المنار

( 1 ) – مجموع الفتاوى ( 25 / 62 )

——————————————————————————–

( 2 ) – حديث صحيح ، أخرجه أحمد ( 1 / 18 ) والترمذي ( 4 / 465-566 ) وابن أبي عاصم ( 88 ) واللفظ له ، انظر إبطال التأويلات ( 2 / 456 ) بتحقيقنا .

( 1 ) – حديث حسن ، أخرجه أحمد ( 4 / 478 ، 375 ) وابن عبدالله في زوائده ( 4 / 278 ) وابن أبي عاصم ( 93 ) وغيرهم .

( 1 ) – مجموع الفتاوى [ 11 / 92 ] .

زر الذهاب إلى الأعلى