عقيـدة

منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته

 

الحمدلله الرحيم الرحمن، علَّم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأكوان، و أشهد أن محمدآً عبده و رسوله المبعوث من ولد عدنان، صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.

 

و بعد:

فقد اختلفت الأمة الإسلامية في أسماء الله تعالى وصفاته كما اختلف الذين من قبلهم ، وقد هدى الله تعالى من اصطفاهم واختارهم إلى الحق الذي اختلف فيه بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

 فمن هم أهل الحق ؟ هم أهل السنة والجماعة ، ويسمون بالسلف الصالح لاتباعهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ،وسمواأهل الحديث وأهل السنة : لإنهم يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخالفونها ، وبالجماعة : لاجتماعهم على الحق الذي جاءهم من عند ربهم تعالى .

– فالصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار ، هم خير من مثـَّـــل الإسلام علماً وعملاً ، عاصروا التنزيل وتربوا على يد معلم البشرية ، وهم أعلم الأمة بالله تعالى ، وبكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد الله تعالى لهم بالخيرية والأفضلية ، قال تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار }.

– وقد أصبح المنهج الذي سلكوه ، وساروا عليه ، المنهج الذي يجب أن يستقيم عليه كل من جاء بعدهم ، وسمي بمذهب السلف الصالح .

وقد ورث علم السلف الصالح أئمة أعلام، من التابعين لهم بإحسان ، ممن أقر لهم الناس بفضلهم وإمامتهم ، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وسفيان بن عينيةوعبدالله بن المبارك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد وإسحق بن راهويه وأصحاب السنن الأربعة و الدرامي، وغيرهم كثير.

ومن أبرز من حمل منهج السلف ، وناضل عنه وجاهد ، الإمام أحمد بن حنبل، الذي حفظ الله به الدين في فتنة القول بخلق القرآن ، ولذا أصبحت متابعته أمارة على السنة ، وبغضه وكراهيته دليل على الإنحراف والبدعة .

الأصول التي تقوم عليها عقيدة السلف
في الأسماء والصفات 

 عقيدة السلف تقوم على عدة أُسس وأصول ، مستقاة من القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وفهم الصحابة لهما .

وهذا بيانها :

( 1 ) الأصل الأول: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفاه الله عن نفسه ، أو نفاه عنه صلى الله عليه وسلم .

قال الشافعي – رحمه الله – : آمنت بما جاء عن الله ، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال : لله أسماء وصفات جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه أمته ، لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردّها .

ويدل على صحة هذا الأصل أمور :

– أ – أن الله تعالى وأسماءه وصفاته غيب لا يُعرف إلا من قِبل الوحي ، وقد أثنى الله تعالى على عباده الذين يؤمنون بالغيب ، فقال عز وجل : { آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب } ، وقال سبحانه وتعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } .

– ب – أن رَّد ما أثبته الله لنفسه أو رسوله صلى الله عليه وسلم تكذيبٌ لله ولرسوله ، فكيف يخبر الله تعالى عن نفسه بأنه : الحي القيوم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن السميع البصير العلي الأعلى … فيأتي جاهل مغرور، فيقول : إن الله لا يصح أن يوصف بذلك ؟!! ، وهل يكون مؤمناً بالله تعالى وبـكـتابه وهو يرد ماجاء فيه ؟!

-ج- أن الله تعالى قد أَمرنا نعلم ونتعلم أسمائه وصفاته وأن نؤمن بها ، فقال : { واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم } ، وقال : { واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير } ، وقال : {واعلموا أن الله سميع بصير } ، وقال : { فاعلموا أن الله غفور رحيم } ….. وغيرها من الآيات الكثيرة التي ذكر فيها أسماءه وصفاته وأفعاله .

فمن ردّ على الله تعالى أمره ، أصابته الفتنة والعذاب ، كما قال عز وجل : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.

( 2 ) الأصل الثاني: تنزيه الله تعالى عن التمثيل والتشبيه ، وكل صفات النقص ، وهذا الأصل دل عليه قوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ، وقوله : {ولم يكن له كفواً أحد }، وقوله : { هل تعلم له سمياً }، وقوله : { فلا تجعلوا لله أندادا …. }

فليس كمثله شيء : نفي للمشابهة والمماثلة ، {وهو السميع البصير } إثبات السمع والبصر .

وهذا الأصل متفق عليه عند السلف ، قال الطحاوي :«اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله » .

وقال أبو حنيفة في الفقه الأكبر :«وصفاته كلها خلا ف صفات المخلوقين ، يعلم لا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا ».

وجمع الإمام نعيم بن حماد الأمرين معاً فقال : « من شبّه الله بشئ من خلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ، ولا رسوله تشبيه » وليس تنزيه الله تعالى عن التمثيل يكون بنفي ماأثبته الله تعالى لنفسه أو رسوله ، كما فعلت المعطلة ، فزعموا أنهم يريدون تنزيه الله تعالى بنفى كلامه ، واستوائه ، وعلوه على خلقه ، ونزوله للسماء الدنيا ، واتصافه بالرحمة ، والوجه واليد والغضب والرضى …. الخ .

بل هم في ذلك مخالفون للرسل واتباعهم ، الذين أثبتوا ما أثبته الله لنفسه، ونفوا ما نفاه عن نفسه .

( 3 ) الأصل الثالث: إجراء الصفات على ظاهرها وترك تأويلها :

ومعنى هذا أن السلف لا يتعرضون لتأويلها وتحريفها ، بل يثبتون لها المعنى الظاهر المفهوم من لغة العرب ، وأنها حقيقة لا مجاز .

وخالف في ذلك ثلاث فرق :

( أ ) فرقة أجرت الصفات على ظاهرها ، ويجعلون ظاهرها من جنس صفات المخلوقين ، وهؤلاء هم المشبِّهة ومذهبهم باطل .

( ب ) وفرقة قالت : يجب نفي ظاهر الصفات ، لإن ظاهرها يفيد التشبيه بزعمهم فيقولون معنى رحمته :نعمته أو إحسانه !! وسمعه وبصره : علمه ! واستواؤه : استيلاؤه  ! ونزوله نزول رحمته ! ويده قدرته ! وهكذا تحريفا لقول الرب عن مواضعه !!!

– وهم مختلفون في هذا الباب : فمنهم من ينفي جميع الصفات ، ومنهم من يثبت سبعاً،

أو ثمانية ، أو خمس عشرة ، .. وهذا من تخبطهم ، وضياع الضابط لديهم .

( جـ) وفرقة قالت بالوقف والتفويض ، فهم يُجرون الصفات على ظاهرها ويقولون : نفوض علم معانيها إلى الله تعالى ! ونــــحــــــــــن لا نـــــــــــــــعـــــــرف معاني هذه الأسماء !

ويّدعي بعض الناس أن هؤلاء على مذهب السلف ؟!

والتحقيق أن السلف لا يفوضون معاني الأسماء والصفات ، وإنما دائماً يفوضون كيفية الصفات ،أما المعاني فإنها معلومة من كلام العرب ، يدلّك على هذا قول الإمام مالك لما سئل عن الإستواء قال : « الإستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعـــــــة ».

ولو كــانت أسماء الله تعالى لا معاني لها ، لم تكن حُسنى كما أخبر الحق تعالى ، ولا كانت دالةً على مدحٍ وكمال ، لأن حُسنها باعتبار معانيها ، فأي حسنٍ فيها إن لم يكن لها معاني(1 ) .

ولو كانت أسماء لا معاني لها، لساغ وقوع أسماء الغضب الانتقام ، في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس ، فيقال : اللهم اغفرلي وارحمني إنك أنت الجبار ذو الإنتقام ! اللهم انتقم من الكفرة إنك أنت الغفور الرحيم !

ثم إن الإعراض عن فهم معاني الأسماء والصفات، إعراض عن تدبر كتاب الله تعالى ، وقد ذم الله تعالى المعرضين عنه ، فقال : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } ، وأمر بالتدبر والفهم فقال : { كتاب أنزلناه إليك مباركاً ليتدبروا آياته وليتذكر أولو الالباب}.

والزعم بأن هذا هو المذهب الحق ، وصف للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالجهل !!

ولذا يسمي شيخ الإسلام هذا الطائفة بأهل التجهيل .

( 4 ) الأصل الرابع : الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات :

وقد دّل الكتاب والسنة على هذا الأصل دلالة واضحة في غاية الوضوح ، فالآيات التي أثبت الله فيها لنفسه أوصافاً، كثيرة جداً ، كقوله : { وكان الله عليماً حكيماً } ، {والله على كل شئ قدير }، وأنه { حي قيوم } ، { عزيز حكيم } ، { غفور رحيم }،{ سميع بصير }، { كلم الله موسي تكليماً } ، يحب المتقين ، يبغض الكافرين ، يرضى عن المؤمنين ، يغضب على الكافرين ….. الخ .

أما في النفي فانه يُجمل فيه ، كقوله { ليس كمثله شئ } ، { ولم يكن له كفواً أحد}، { هل تعلم له سمياً } . {فلا تجعلوا لله أنداداً } .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إ«ن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بنفي مجمل ، وإثبات مفصّل ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين } .

فسبّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل ، وسلّم على المرسلين ، لسلامة ماقالوه من النقص والعيب ، وطريقة الرسل هي ما جاء به القرآن والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل ، وينفي عن طريقة الإجمال : التشبيه والتمثيل» . مجموع الفتاوي ( 37/6 )

ولنعلم أن النفي الوارد في الكتاب والسنة ليس نفياً مخصاً ، وانما هو متضمن لإثبات ضده من صفة الكمال ، فالله تعالى : { لا تأخذه سنة ولانوم } ، لكمال قيوميته وحياته ، { ولا يظلم ربك أحداً } ، لكمال عدله { وما كان ربك نسياً } ، لكمال علمه ، {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستةأيام وما مسنا من لغوب } لكمال قدرته .

أما المعتزلة وأشباههم فقد خالفوا طريقة القرآن والسنة فأكثروا من النفي المفصّل ، وأجملوا في الإثبات ، فتراهم يقولون في الله تعالى : ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ، ولا بذي لون ولا رائحة ولا طعم ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ، ولا طول ولا عرض ، ولا عمق ولااجتماع ولا افتراق ، ولا يتحرك ولا يسكن ، ولا يتـبــعـض وليــس بذي أبعـاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا يمين ولا شمال وأمام وخـلف وفــــوق وتحت ، ولا يــحيط بـه مكان ولا يجـــري عليه زمان .. إلى آخر ما قالــوه .. ( انظر شرح الطحاوية ص 109 ) .

وعند الإثبات لا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً ، مجرداً عن الصفات ، يمتنع تحقيقه في الأعيان ، وإن كان قد يوجد في الأذهان ( 1 ) .

زاعمين أنهم يفرون من تشبيهه بالموجودات ، فشبهوه بالمعدومات ، بل بالممتنعات!!

الأصل الخامس : ترك البحث في كيفية الذات الإلهية :

قد قلنا سابقاً إن الله تعالى { ليس كمثله شيء } فصفاته كذلك ، فإن معرفة كيفية الصفات متوقف على معرفة كيفية الذات ، فإذا كانت الذات الإلهية لا نعلم حقيقتها وكُنهها، فكذلك الصفات .

وأشار الله إلى هذا بقوله { ولا يحيطون به علماً } وقوله تعالى { ولا يحيطون بشيء من علمه } .

ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم من التفكر في ذات الله تعالى وصفاته ، فقال« تفكَّروا في خلق الله ، ولا تفكروا في الله »رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وغيرهما .

ومنع السلف من السؤال عن الكيفية، كما مَـَّر معنا قول الإمام مالك : « الإستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ».

وقال أبو جعفر الطحاوي : « لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام ».

ومثل من يريد معرفة ذلك بعقله ، كمثل رجل معه ميزان للذهب يريد أن يزن به الجـــبال!!

* وهذا لا يعني نفي الصفة أو حقيقتها عن الله تعالى ، بل الصفة ثابتة له تعالى ، ولكن حقيقتها غير معلومة لنا ، فتـنـبــــــه !

( 1 ) أي تخيلاً لا واقعاً !!

(1)-انظر التفسير القيم – للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ( ص28 ) ، ومقدمة كتابنا النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى ، والعقيدة الطحاوية بشرحنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى