دعـوة

المخرج من الفتن والرد على أهل التكفير -2 –

ثم كنتُ ولا أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين : هبوا يا جماعة أن هؤلاء كفار كفر ردة ، وأنهم لو كان هناك حاكم أعلى عليهم واكتشف منهم أن كفرهم كفر ردة لوجب على ذلك الحاكم أن يطبق فيهم الحديث السابق . من بدل دينه فاقتلوه …

الآن ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية إذا سلمنا جدلا أن كل هؤلاء الحكام هم كفار كفر ردة ؟!

ماذا يمكن أن تعملوا ؟!

هؤلاء الكفار احتلوا كثيرا من بلاد الإسلام ونحن هنا مع الأسف ابتلينا باحتلال ليهود لفلسطين .

فماذا تستطيعون أنتم أو نحن أن نعمل مع هؤلاء ، حتى تستطيعوا أنتم أن تعملوا مع الحكام الذين تظنون أنهم من الكفار ؟!

هلا تركتم هذه الناحية جانبا ، وبدأتم بتأسيس وبوضع القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة ، وذلك باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ربَّى أصحابه عليها ونشأهم على نظامها وأساسها …

وذلك ما نحن نعبر عنه في كثير من مثل هذه المناسبات ، بأنه لا بد لكل جماعة مسلمة تعمل بحق لإعادة حكم الإسلام ، ليس فقط على أرض الإسلام ن بل على الأرض كلها ، تحقيقا لقوله تبارك وتعالى : ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ ( التوبة :33 )

وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد .

فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني هل يكون البدء بإعلان الثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنون فيهم أن كفرهم كفر ردة ثم مع ظنهم هذا – وهو ظن خطأ – لا يستطيعون أن يعملوا شيئا !

إذًا لتحقيق هذا النبأ القرآني الحق ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ … [ ما هو المنهج ؟ ما هو الطريق ؟… لا شك أن الطريق هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدندن … ويذكر أصحابه في كل خطبة : وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .

إذًا فعلى المسلمين كافة ، وبخاصة منهم من يهتم لإعادة الحكم بالإسلام على الأرض الإسلامية بل الأرض كلها ، أن يبدأ من حيث بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما نكني نحن عنه بكلمتين خفيفتين :

التَّصفية والتربية
ذلك لأننا نحن نعلم حقيقة يغفل عنها- أو يتغافل عنها بالأصح لأنه لا يمكن الغافل عنها- يتغافل عنها أولئك الغلاة الذين ليس لهم إلا إعلان تكفير الحكام ثم ر شيء !! وسيظلون كما ظلت جماعة من قبلهم يدعون إلى إقامة حكم الإسلام على الأرض ، لكن دون أن يتخذوا لذلك الأسباب المشروعة .

سيظلون يعلنون تكفير الحكام ثم لا يصدر منهم إلا الفتن !

والواقع ذي هذه السنوات الأخيرة التي تعلمونها بدءا من الفتنة الحرم المكي … ثم فتنة مصر وقتل السادات وذهاب دماء الكثير من المسلمين الأبرياء بسبب هذه الفتنة … ثم أخيرا في سوريا … ثم الآن في الجزائر مع الأسف … إلى آخره .

كل هذا سببه أنهم خالفوا نصوصا من الكتاب والسنة … من أهمها : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَان يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [ ( الأحزاب : 21 ).

إذًا نحن أردنا أن نقيم حكم الله في الأرض هل نبدأ بقتال الحكام ونحن لا نستطيع أن نقاتلهم ؟ أم نبدأ بما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

لا شك أن الجواب : ]لَقَدْ كَانَ  لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[.

بماذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :

تعلمون أنه بدأ بالدعوة بين بعض الأفراد الذين كان يظن فيهم أن عندهم الاستعداد لتقبل الحق ، ثم استجاب له من استجاب كما هو معروف في السيرة النبوية ، ثم الضعف والشدة الذان أصابا المسلمين في مكة ، ثم الأمر بالهجرة  الأولى والثانية إلى آخر ما هناك … حتى وطَّد الله عز وجل الإسلام في المدينة … وبدأت هناك المناوشات ، وبدأ القتال بين المسلمين وبين الكفار من جهة ، ومن جهة اليهود وهكذا.

إذًا لا بد أن نبدأ نحن بالتعليم كما بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن نحن لا نقول الآن بالتعليم ، لماذا ؟ أي لا نقتصر فقط على كلمة تعليم الأمة الإسلامية لأننا في وضع الآن ، أنه دخل في التعليم الإسلامي ما ليس  من الإسلام بسبيل إطلاقا ، بل به ما يخرب الإسلام ويقضي على الثمرة التي يمكن الوصول إليها بالإسلام الصحيح .

ولذلك فواجب الدعاة الإسلاميين أن يبدءوا بما ذكرت آنفا :

1      بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه من الأشياء التي تفسد الإسلام .. ليس فقط في فروعه .. في أخلاقه .. بل في عقيدته أيضا …

2                   والشيء الثاني الذي يقترن مع هذه التصفية : تربية الشباب المسلم الناشئ على هذا الإسلام المصفى .

ونحن إذا درسنا الجماعات الإسلامية القائمة الآن منذ نحو قرابة قرن من الزمان لوجدنا كثيرا منهم لم يستفيدوا شيئا رغم صياحهم ورغم زعاقهم إنهم يريدونها حكومة إسلامية ، ربما سفكوا دماء أبرياء … كثيرة … وكثيرة جدا … دون أن يستفيدوا من ذلك شيئا إطلاقا .

فلا نزال نسمع منهم العقائد المخالفة للكتاب والسنة وهم يريدون أن يقيموا دولة الإسلام .

وبهذه المناسبة نحن نقول : هناك كلمة لأحد أولئك الدعاة كنت أتمنى من أتباعه أن يلتزموها وأن يحققوها .. تلك الكلمة هي قوله : أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لكم في أرضكم .

لأن المسلم إذا صحح عقيدته بناء على الكتاب والسنة فلا شك أنه من وراء ذلك ستصلح عبادته فتصلح أخلاقه وسلوكه .. إلخ .

لكن هذه الكلمة الطيبة في نقدي وفي نظري ، لم يعمل عليها هؤلاء الناس فظلوا يصيحون بإقامة الدولة المسلمة ، وصدق فيهم قول ذلك الشاعر :

ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها        إن السفينة لا تجري على اليبس

لعل هذا الذي ذكرته كفاية ، جوابا على هذا السؤال .

ثم سئل الشيخ حفظه الله تعالى : عن أعمال العنف أو الاغتيالات التي يدعوا إليها في هذا العصر ، بعض من لم يعرف فقه الدعوة النبوية ، فقال السائل :

هناك داعية من الجزائر ألف كتابا يدَّعي فيه بأن الاغتيالات من السنن المهجورة !! ويحتج بقصة قتل كعب بن الأشرف ، وقتل اليهودي الذي اطلع على عورة المرأة المسلمة .. فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟

الجواب : لقد ذكرتني بارك الله فيك أنه جاء في افتتاحيتك لسؤالك الأول هذا اللفظ الذي استغربته .. استغربت صدوره منك .. وإذا أنت تنقله عن غيرك ، لكنك أوهمتني أنه من لفظك .

السنن المهجورة … ليت هذا المؤلف الذي تشير إليه يعرف السنن المهجورة ويشاركنا في إحيائها حقا !

أما هذه التي زعم أنها سنة مهجورة وأنه ينبغي إحياؤها في زمننا هذا : فهذا مما نشكو … أو من جملة ما نشكو منه : الجهل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم .

نحن نفهم الحادثة الأولى من القتل ، وهي صحيحة ونشك في صحة  الحادثة الأخرى (8) ولكن سواء صحت هذه أم لم تصح فالواجب عن الحادثة الأولى الصحيحة يشملها أيضا .

        نحن نقول : إن هذا القتل بتلك الطريقة التي قد يجوز في عرف بعض الناس أن يسميها إغتيالا لم يكن قبل كل شيء قد وقع والمسلمون ضعفاء في عهد الضعف والمشركون يعذبونهم … ألوان العذاب .. وإنما كان والدولة الإسلامية قد بدأت تقوم قائمتها في المدينة المنورة التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا أولا .

وخلاصة ما أريد من ذلك : أن أقول أن هذا كان في وقت القوة والوحدة وليس في وقت الضعف والتفرق .

ثانيا : لم يكن عملا فرديا يندفع إليه صاحبه بعاطفة ، ولو أنها عاطفة إسلامية ، لكنها عاطفة مقرونة بالعلم الإسلامي الصحيح ، ذلك لأن الذي باشر ذلك القتل إنما كان بتوجيه من الحاكم المسلم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فنحن نقول لهذا الذي يسمى ذلك القتل بالسنة المهجورة اتخذ الأسباب الشرعية التي أشرت إليها في أثناء كلامي السابق ، من التصفية والتربية ليأخذ المسلمون طريقة البدء بإقامة الدولة المسلمة في أرض من أراضي الله الواسعة ، ويوم تقوم قائمة المسلمين ويقوم عليهم  رجل مسلم تتوفر فيه الشروط ليكون أميرا على جماعة مسلمة … فإذا هذا الأمير أمر بذلك وجب تنفيذه .

أما أن ينطلق كل فرد برأيه دون أن يكون مأمورا ممن يجب إطاعة أمره : فهذا ليس من السنة إطلاقا ، بل هذا مما يدخل في القاعدة التي ندندن حولها دائما وأبدا وهي من الحكمة بمكان عظيم … تؤكدها الحوادث التي نسمع كل يوم عنا الشيء الكثير المؤسف … تلك القاعدة هي التي تقول :

مَن استعجل الشيء قبل أوانه ، عُوقب بحرمانه .

ذلك لأن الذي يسلك سبيل اغتيال رجل من الكفار ، ولو كان له صولة وله دولة فسيكون عاقبة ذلك أن ينتقم الكفار لأنهم أقوى من هذا المسلم ومن حوله ، فستكون العقبة ضعفا في المسلمين على ضعف ، بينما تلك الحادثة كانت عاقبتها نصرا للمسلمين ، فشَتَّان بين هذه العاقبة وبين تلك العاقبة .

والأمر كما قال عليه السلام – ولو في غير هذه المناسبة : إنما الأعمال بالخواتيم (9) .

هذا جوابي عن هذه السنة المهجورة المزعومة !.

انتهى كلام الشيخ حفظه الله تعالى ونفع بعلمه .

================================

الهوامش :

(8)        قد تكلم عليها الشيخ حفظه الله تعالى في كتابه : دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ( ص26-27 ) فقال : إسناده مرسل معلق ، فإن ابن هشام قال (3/51 ) : وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال… فذكر القصة . وأبو عون تابعي صغير فلم يدرك الحادثة ، وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإمام أحمد مات سنة 170 فبينه وبين ابن هشام مفاوز ، فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف ….. انتهى مختصرا .

(9)        رواه البخاري في الرقاق ( 11/330 ) وفي القدر ( 11/ 499 ) من حديث سهل بن سعد في الرجل الذي قاتل مع المسلمين قتالا عظيما ، ثم جُرح فاستعجل الموت وقتل نفسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم

****************
كلام سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن بازرحمه الله

مفتي عام المملكة العربية السعودية

في محاضرة له عن القوادح في العقيدة

عرضنا في الحلقات السابقة أهمية رجوع المؤمنين إلى علمائهم في الأمور التي تشتبه عليهم ، وذكرنا أن اشتغال عموم الناس بإبداء الآراء في أمور الفتن ينتج عنه مزيد فتنة ، وتفرق للأمة .

وكذا ينبغي لطلبة العلم أن يرجعوا إلى أئمة الفتوى في مسائل الأمة العامة كالسياسة الشرعية ، والمنكرات العامة … وغيرها من المسائل الدقيقة التي تحتاج إلى فهم عميق لمقاصد الشريعة ، لا يكون إلا باستقراء مجمل النصوص من الكتاب والسنة ، وخبرة طويلة في معرفة الواقع الإسلامي .

وقد عرضنا كلام محدِّث الزمان ، وعلامة الشام ، محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ، وها نحن نعرض في هذه الحلقة كلام الإمام العلامة الفقيه عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية في المسائل التي أشرنا إليها سابقاً .

قال حفظه الله تعالى ورعاه في محاضرة له عن القوادح في العقيدة :

العقيدة الإسلامية لها قوادح ، وهذه القوادح قسمان :

قسم ينقض هذه العقيدة ويبطلها ، ويكون صاحبه كافراً – نعوذ بالله من ذلك – .

وقسم : ينقض هذه العقيدة ويضعفها .

فالقسم الأول : يسمى ناقضاً ، ونواقض الإسلام هي الموجبة للردة والناقض يكون : قولاً ، ويكون عملاً ، ويكون إعتقاداً ، ويكون شكاً ، قال النبي r : من بدل دينه فاقتلوه خرجه البخاري في الصحيح (1) .

فدل ذلك على أن المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ويُعجَّل به إلى النار .
الردة القولية :

والقول من هذه النواقض ، مثل : سبِّ الله ، وسب الرسولr ، أو ينسب العيب إلى الله كأن يقول : إن الله فقرٌ أو أن إن الله ظالم ، أو يقول : إن الله بخيل ، أو يقول إن الله لا يعلم بعض الأمور ، أو قال : إن الله لم يوجب علينا الصلاة ، فهذه ردةٌ يستتاب فإن تاب وإلا قتل ..

الردة الفعلية :

مثل ترك الصلاة فمن ترك الصلاة ولم يصلِّ فقد كفر ، لقول النبيr : العهد الذي بيننا وبينهم : الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) ، وقوله r : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) .

ومن ذلك لو استهان بالمصحف ، أو داسه ، ومن ذلك : من طاف بالقبور ، وعبادة أهلها ، فهذه ردة فعلية إلا إذا قصد بذلك عبادة الله فهذه بدعة قادحة في الدين ولا تكون ردة عن الإسلام ، بل تكون من النوع الثاني ( كفر دون كفر ) وكذلك الذبح لغير الله من الردة الفعلية ..

الردة العَقَدية :

من اعتقد بقلبه أن الله فقير أو أنه بخيل أو أنه ظالم فقد كفر ولو لم يتكلم … أو اعتقد بقلبه أن محمداً كاذب أو أحد الأنبياء ، أو اعتقد بقلبه أنه لا بأس أن يعبد مع الله غيره ، فهذه كلها ردة عن الإسلام لأن الله يقول : } ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل { { الحج : 62 } ، ويقول الله سبحانه وتعالى : } وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم { { البقرة : 163 } ، ويقول سبحانه وتعالى : } إياك نعبد وإياك نستعين { { الفاتحة : 4 } .

فمن زعم أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره ونطق بذلك ، صار كافراً بالقول والعقيدة جميعاً ، وإن فَعَل ذلك صار كافراً بالقول والعمل والعقيدة جميعاً .

ومن القوادح القولية ، والفعلية ، والعقدية ، ما يفعله بعض الناس اليوم عند قبور الصالحين من دعائهم ، والاستغاثة بهم … فمن فَعَل شيئاً من ذلك يستتاب ، فإذا رجع إلى الحق خُلي سبيله ، وإن لم يتب فإنه يقتل ويكون مرتداً .

الردة بالشك :

مثل من يقول : أنا لا أدري هل الله حق أو ليس بحق ؟ أو يقول : أنا لا أدري هل محمد صادق ، أو كاذب؟ فهذا كافر ، أو قال : أنا لا أدري هل البعث حق ، أو غير حق ؟ فهذا يكون كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قتل … أما إذا كان بعيداً عن المسلمين بحيث كان في غابات بعيدة عن المسلمين فإنه يُبين له ، فإذا بُيِّن له وأصر فإنه يقتل .

وكذلك من شك في شيء من أركان الإسلام … فما تقدم من القسم الأول يسمى نواقض ، ويكون صاحبها مرتداً يُستتاب فإن تاب وإلا قتل .

والقسم الثاني من القوادح : قوادح دون كفر ، تُضعف الإيمان مثل أكل الربا ، وارتكاب المحرمات كالزنا والبدع ، وغير ذلك مثل الاحتفال بالمولد ، وهو ما أحدثه الناس في القرن الرابع وما بعده من الاحتفال بمولد الرسول r ، فيكون ذلك إضعافاً للعقيدة ، إلا إذا كان هناك في المولد استغاثة بالرسول r فإنَّ هذه البدعة تكون من النوع الأول المُخْرج عن الإسلام .

ومن النوع الثاني كذلك : التطيُّر كما يفعل أهل الجاهلية وقد ردَّ الله عليهم : } قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون { { النمل : 47 } ، فالطِّيَرة شرك دون كفر … وكذلك الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج قال r : من أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌ (1) (2) .

****************************

وقال الشيخ وفقه الله في جواب لسؤال عن حُكْم من حكم بغير ما أنزل الله :

من حَكَم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أنواع :

من قال أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية ، فهو كافرٌ كفراً أكبر .

ومن قال أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية ، فالحكم بهذا جائز وبالشريعة جائز ، فهو كافر كفراً أكبر .

ومن قال أنا أحكم بهذا ، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز ، فهو كافر كفراً أكبر .

ومن قال أنا أحكم بهذا وهو يعتقد أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز ويقول : الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ، ولا يجوز الحكم بغيرها ولكنه متساهل أو يفعل هذا لأمر صادر من حُكَّامه ، فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ويعتبر من أكبر الكبائر (1) .

* وقال حفظه الله تعالى مبيناً أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفراً تارة ، وظلماً تارة ، وفسقاً تارة ، وأنه ليس على درجة واحدة كما يقول أهل البدع .

قال : إذا عُلِم أنَّ التحاكم إلى شرع الله مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، فإنَّ التحاكم إلى الطَّواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم يُنافي الإيمان بالله عز وجل ، وهو : كفر وظلم وفسق يقول تعالى : } ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون { { المائدة : 44 } ، ويقول : } وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون { { المائدة : 45 } ، ويقول تعالى : } وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون { { المائدة : 47 } (2) .

وحول أسلوب النَّصح الذي ينبغي للداعية أن يسلكه مع ولاة الأمور ، ولما في هذه القضية من الحساسية والأهمية ، نعرض جواباً للشيخ رعاه الله حول هذه المسألة ، إذ سُئِل :

هل من منهج السلف نَقدُ الولاة من فوق المنابر ؟ وما منهج السلف في نُصح الولاة ؟

فأجابه بقوله :

ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذِكْر ذلك على المنابر ، لأن ذلك يُفْضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلى الخَوض الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أوالاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يُوجَّه إلى الخير .

وإنكار المنكر يكون من دون ذِكْر الفاعل ، فينكر الزنا ويُنكر الخمر ، وينكر الربا من دون ذكر من فعله ، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها ، لا حاكماً ولا غير حاكم .

ولمَّا وقعت الفتنة في عهد عثمان قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تنكر على عثمان ؟! قال : أنكر عليه عند الناس لكن أنكر بيني وبينه ولا أفتح باب شر على الناس .

ولما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جَهرة ، تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم ، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية ، وقُتِل عثمان وعلي بأسباب ذلك ، وقُتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العَلَني وذكر العيوب علناً ، حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه . نسأل الله العافية (3) .

(3) فتوى للشيخ حفظه الله ملحقة برسالة : حقوق الراعي والرعية لفضيلة الشيخ محمد العثيمين حفظه الله تعالى .

قلت: وهذه المسألة مما يقع فيها المخالفة من كثير من الخطباء هدانا الله وإياهم إلى سواء الصراط ، ووفقنا جميعاً لسلوك سبيل سلفنا الصالح ، ولا بد أن نرضى لأنفسنا ما رضي به السلف لأنفسهم ، فإنهم على علم وَقَفوا ، وببصر نافذ كَفُّوا ، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل ما كانوا فيه أولى ، فإن كان الهُدى ما أنتم عليه ، لقد سبقتموهم إليه !! .

ولئن قلتم : إنما حدث بعدهم ، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ، ورَغِب بنفسه عنهم ، فإنهم هم السابقون ، فقد تكلَّموا فيه بما يَكفي ، ووصفوا منه ما يَشفي ، فما دونهم من مُقْصِر ، وما فوقهم من مُحْسِر (1) وقد قصَّر قوم دونهم فجفَوَا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم (2) .

هذا ما تيسر جمعه وبيانه في هذه الرسالة المختصرة ، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولو الألباب ، وأن ينفعنا بكلام علماء السنة ، المتبعين للأثر ، والمُستغنين به عند وروده عن العقل والنظر ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

*********************************************

البخاري مع الفتح ( 7/149 )( 12/267 ) .

(2) رواه الترمذي في الإيمان ( 5/13-14 ) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً به ، وسنده صحيح .

(3) رواه مسلم في الإيمان ( 1/88 ) من حديث جابر رضي الله عنه .ـ

(1) المصدر السابق ( ص72 – 73 ) .

(2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 1/80 – 81 ) للشيخ حفظه الله ، جمع وإشراف محمد بن سعد الشويعر

(1) مقصر : مصدر ميمي بمعنى التقصير ، أو ظرف أي : موطن حَبْس ، من قصر الشيء يقصره أي : حبسه .

ومحسر : مصدر أيضاً ، حَسَر الشيء يحسره أي كشفه ، أو اسم مكان .

(2) من وصية أمير المؤمنين ، وخامس الخلفاء الراشدين : عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أخرجها أبو داود في سننه في كتاب السنة ( 5/4612 ) بسند حسن .

زر الذهاب إلى الأعلى