دعوة

قل لمن لم يخلص : لا تتعب – 4

 

التنبيه على الإخلاص في النصوص الكثيرة :

جاء التنبيه على الإخلاص في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، كذكر ( في سبيل الله ) أو ( لله ) أو ( لوجه الله ) أو ( ابتغاء مرضات الله ) ونحوها من العبارات ، منها :

1- قول الله تعالى ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) البقرة : 218 .
وفيها التنبيه على الاخلاص في الهجرة الى الله تعالى والجهاد .
2- قوله تعالى ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله …) البقرة : 265.
3- وقوله تعالى ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) البقرة : 272 .
وفيهما التنبيه على الاخلاص في الانفاق في سبيله وفضله .
4- وقوله سبحانه ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ) البقرة : 157 .
وفيها فضل الشهادة والموت في سبيله .
4- وقوله تعالى ( يا أيها الذين اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ) المائدة : 35 .
وهذا أمر من الله تعالى بتقواه ، والاخلاص ، والاجتهاد في طاعته ، والتقرب إليه بكل ما يستطيع – وهي الوسيلة – بالأعمال القلبية من الحب والخوف والرجاء والتوكل ونحوها ، والعبادات البدنية كالصلاة والصيام والذكر ، والمالية كالزكاة والنفقات ، وغيرها مما يقرب إلى الله تعالى .

5- وقوله سبحانه ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور : 31
وفيها تنبيه على التوبة الخالصة إليه ، وأنها طريق الفلاح والنجاح .

أما من السنة المطهرة :

فقد ورد في أحاديث كثيرة :
1- التنبيه على الإخلاص في التوحيد وهو أصل الدين وأساسه :  قال صلى الله عليه وسلم : ((ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً ، إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ، ما اجتنب الكبائر)). رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
فهذا فضل الإخلاص في قول كلمة الاخلاص والتوحيد ، من قالها كذلك فتحت لقوله أبواب السماء ، فلا تزال كلمة الشهادة صاعدة ” حتى تفضي الى العرش ” أي تنتهي إليه ، ما اجتنب صاحبها الكبائر من الذنوب .

2- التنبيه على الاخلاص في السجود : قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبد يسجد لله سجدة ، إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة)). رواه أحمد الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان من حديث ثوبان رضي الله عنه .

3- التنبيه على الاخلاص في الخروج الى المساجد والصلوات :
قال صلى الله عليه وسلم : ” … وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم خرج الى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، فإن صلى ما دامت الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صل عليه ، اللهم صل عليه ، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه ن ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه ، إلا تبشبش الله إليه ، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته ” . رواه ابن خزيمة  من حديث أبي هريرة رضي الله عنه – صحيح الترغيب (303) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة ، فأجره كأجر الحاج  المحرم ، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبــه إلا إياه ، فأجره كأجر الحاج المعتمر ، وصلاة على أثر صلاة ، لا لغو بينهما ، كتاب في عليين ” . رواه أبوداود عن أبي أمامة رضي الله عنه  _ صحيح الترغيب (320) .

4-الإخلاص في الزكاة :  قال صلى الله عليه وسلم : ” ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان : من عبد الله وحده ، وعلم أن لا إله إلا الله ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه ، رافدة عليه كل عام ، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ، ولكن من وسط أموالكم … ” . رواه أبوداود – الترغيب ( 750) .
ومعنى ” رافدة عليه ” من الرفد ، وهو الإعانة ، ومعناه : أنه يعطي الزكاة ونفسه تعينه على أدائها بطيبها وإخلاصها ، وعدم حديثها له بمنع الزكاة أو تركها .

5-الاخلاص في الصيام : قال صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه)) . متفق عليه .
أي : إيمانا بفرضيته عليه .
واحتسابا : أي للاجر والثواب عند الله تعالى ، لا عادة في مجتمعه ، ولا تقليدا للآباء .
وفي غير رمضان : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من صام يوماً في سبيل الله ، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .

6- الاخلاص في قيام الليل:  نبه عليه صلى الله عليه وسلم بقوله : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ،غفر له ما تقدم من ذنبه)) . متفق عليه .

7- الإخلاص في اتباع الجنائز: يقول صلى الله عليه وسلم (( من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً ، وكان معها حتى يصلي عليها ، ويفرغ من دفنها ، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى ثم رجع قبل أن تدفن ، فإنه يرجع بقيراط)). رواه البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه .

8- الإخلاص في المحبة لله تعالى ، وفي ذكره سبحانه ، وفي ترك إتيان الحرام من أجله جل وعلا ، وفي الصدقة له : ورد ذلك كله في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله : ذكرهم صلى الله عليه وسلم بقوله : ” … ورجلان تحابا في الله ، فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ”  متفق عليه .

10- الاخلاص في بناء المساجد : قال صلى الله عليه وسلم : ” من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله ، بنى الله له مثله في الجنة ” . رواه الشيخان عن عثمان رضي الله عنه .
وفي لفظ ” من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها ، بنى الله له بيتا في الجنة ” رواه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وهو حديث متواتر .

9- الإخلاص في طلب الشهادة : يقول صلى الله عليه وسلم (( من سأل الله الشهادة بصدق ، بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه)). رواه مسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه .

10- الإخلاص في التوبة : قال صلى الله عليه وسلم : ” من تاب إلى الله قبل أن يغرغر ، قبل الله منه ” . رواه الحاكم .
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الرجل قاتل المائة نفس ، وندمه ورغبته الخالصة في التوبة ، وهجرته الى الأرض التي تعينه على التوبة والرفقة الصالحة وعبادة الله تعالى ، ثم موته بالطريق واختصام الملائكة فيه : ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، ثم قبض ملائكة الرحمة له . والحديث في الصحيحين .
وماذاك إلا بعلم الله سبحانه به وبصدقه وإخلاصه في التوبة والرجوع اليه .
وغيرها من التنبيهات الجليلة الكثيرة ، المبثوثة في ثنايا الأحاديث .

نماذج من إخلاص السلف في أعمالهم :

في الأمة نماذج كثيرة من الرجال والنساء المخلصين ، والمؤمنين الصادقين ، الذين كانت سيرتهم نبراساً لمن بعدهم ، وقدوة وخيراً ، يقتدي بهم من بعدهم ، وعلى رأس هؤلاء الأنبياء ، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخلص المخلصين ، واتقى المتقين ، وبعده حواريوه وهم الصحابة رضي الله عنهم ، الذين فتحوا القلوب قبل البلاد ، بإخلاصهم وصدقهم ، وحبهم الخير للناس ، يليهم من بعدهم من التابعين وأتباعهم رحمهم الله .

فمن ذلك :

1- قصة الأعرابي الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : أهاجر معك ، فغنموا بعد خيبر وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه به ، جاء  إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وقال : ما هذا ؟ قال : قسمته لك . قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا – وأشار إلى حلقه – بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك)) ، فلبثوا قليلاً ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال  النبي صلى الله عليه وسلم :”أهو هو ” قالوا : نعم ، قال صلى الله عليه وسلم : (( صدق الله فصدقه)) ثم كُفِّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه ، فكان فيما ظهر من صلاته : اللهم هذا عبدك ، خرج مهاجرا في سبيلك ، فقتل شهيدا ، أنا شهيد على ذلك ” . رواه عبدالرزاق (9597) والنسائي ( 1/277) .
فأثاب الله الأعرابي كما طلب منه سبحانه ، وأكرمه بدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- ومن ذلك : تحدثه صلى الله عليه وسلم بنيات أصحابه بقوله : ” إن بالمدينة أقواما خلفنا بالمدينة ، ماسلكنا شعبا ولا واديا ، إلا وهم معنا ، حبسهم العذر ” رواه البخاري .
قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في رجوعه من غزوة تبوك .

3- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه ، كفاه الله ما بينه وما بين الناس .

4- ماذكره عبدة بن سليمان قال : كنا مع سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا للبراز فخرج رجل من المسلمين فطارده ساعة فقتله ، ثم آخر خرج فتحداه فقتله ثم جاء ثالث فخرج عليه فطارده فقتله ، فازدحم الناس عليه ليعرفوا من هو ، وكان عبدة ممن أزدحم عليه وكان يطلم وجهه بكمه حتى لا يعرفوه ، يقول عبدة : فأخذت كمه فممدته فإذا هو: عبد الله بن المبارك فقال لائما له : وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا !

5- يقول الحسن: إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار ولم يشعر الناس به ، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر، فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله تعالى يقول:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (لأعراف:55).
قلت : وعمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.
3- وقال علي بن بكار البصري الزاهد : لأن ألقى الشيطان ، أحب إلي من أن ألقى فلاناً أخاف أن أتصنع له فأسقط من عين الله .
وهذا مما كان السلف يخشون منه ، وهو أمر المجاملات والتصنع .

4- وقال الذهبي: يقول ابن فارس عن أبي الحسن القطان: أصبت ببصري وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة . قال الذهبي: صدق والله فإنهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية ، غالباً يخافون من الكلام وإظهار المعرفة ، مع أنهم كانوا مخلصين انتهى .
5- وقال هشام الدستوائي: والله ما أستطيع أن أقول : إني ذهبت يوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل .
وهذا القول من تواضعهم وهضمهم لأنفسهم ، وخوفهم من الرياء ، مع أنهم أئمة يقتدى بهم .

6- وقال حماد بن زيد : كان أيوب ربما حدث في الحديث فيرقّ وتدمع عيناه، فيلتفت ويمتخط ويقول : ما أشد الزكام!! فيظهر أنه من الزكام لإخفاء البكاء.
7 – قال الحسن البصري: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها ، فإذا خشي أن تسبقه قام وذهب وبكى في الخارج .

8 – وقال محمد بن واسع التابعي: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم)).
9 – وصام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ، فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين ، ويأتي على العشاء .
10 – وكان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة – فالصدقة تطفئ غضب الرب – وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات عرفوا ، ورأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب  بالليل فكان يعول 100 بيت .
تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة (واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان .

* ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء :

1 – ثناء الناس عليك :
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل الذي يعمل العمل من الخير ، ويحمده الناس عليه ؟ قال : ” تلك عاجل بشرى المؤمن ” . رواه مسلم
قال العلماء : معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير ،وهي دليل البشرى المؤخرة إلى الآخرة وهي قوله تعالى ( بشراكم اليوم جنات ) الآية ، وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله تعالى عنه ومحبته له ، فيحببه إلى الخلق . ( شرح مسلم ) .

2 – فرح المسلم بعمله الصالح :
عن أبي أمامة قال قيل يا رسول الله ما الإيمان ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إذا سرتك حسنتك ، وساءتك سيئ فانت مؤمن. رواه أحمد وصححه ابن حبان.
قوله إذا سرتك أي أفرحتك وأعجبتك.
حسنتك أي عبادتك وطاعتك وهي سبب إحسان الله تعالى للعبد.
وساءتك سيئتك أي أحزنك ذنبك وهي سبب كل سوء .
فأنت مؤمن أي فذلك علامة إيمانك.

زر الذهاب إلى الأعلى