دعوة

صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 3 )

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم .

3- نقض العهود :

فكم من عهد نقضوه ، وميثاق نكثوه ، مع ربهم سبحانه ، ومع أنبيائهم عليهم السلام ، ومع الرسول ” محمد ” صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والمسلمين والخلق عموما على مر العصور .
قال سبحانه عنهم : ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون )
( البقرة : 100 ) .
فقوله ( أفكلما ) تفيد التكرار ، والسبب : أنهم لا يؤمنون ، فهذا الذي دفعهم إلى نقض العهود والمواثيق ، ولو أنهم صدقوا في إيمانهم ، لكانوا ممن قال الله فيهم ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ( الأحزاب آية : 23 ).
أي : وفى المؤمنون من أصحاب رسول الله بعهدهم مع الله تعالى ، وأتموه وأكملوه ، حتى بذلوا أرواحهم في سبيل الله تعالى ومرضاته .
وهذا كان منهم رضي الله عنهم في غزوة الأحزاب .

وقال أيضا ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم )   ( المائدة آية : 13 ) .
فبسبب نقضهم للعهود عاقبهم الله بعدة عقوبات :
الأولى : قوله ( لعناهم ) أي طردهم الله تعالى وأبعدهم من رحمته ، بما قدمت أيديهم ، حيث أغلقوا على أنفسهم باب الرحمة .
الثانية : جعل قلوبهم قاسية لا تستجيب لربها ، ولا تتأثر بمواعظه ، ولا تخاف من وعيده وتهديده ، ولا تنفعها المواعظ ، وهذا من أعظم العقوبات والمصائب .
الثالثة : أنهم ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) أي : ابتلوا بالتحريف والتبديل لكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
الرابعة : أنهم ( نسوا حظا مما ذكروا به ) من التوراة والإنجيل ، فنسوا علمها ، أو أضاعوه ، وكذلك نسوا العمل بما جاء فيها ، فلم يوفقوا للقيام به ، عقوبة من الله تعالى .
الخامسة : الخيانة المستمرة ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ) الخيانة لله سبحانه ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولعباده .

قال الشيخ السعدي : وهذه الخصال الذميمة حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم ، فكل من لم يقم بما أمر الله به ، وأخذ به عليه الالتزام ، كان له نصيب من اللعنة ، وقسوة القلب ، والابتلاء بتحريف الكلم ، وأنه لا يوفق للصواب ، ونسيان حظ مما ذكر به ، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة ، نسأل الله العافية انتهى.

وهم بهذه الصفة – وهي نقض العهود – قد استحقوا أن يكونوا شر الدواب منزلة عند الله عز وجل ، كما قال الله تعالى ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ) ( الأنفال آية : 55-56 ) .
أي : هؤلاء الذين جمعوا بين هذه الخصال الثلاث : الكفر وعدم الإيمان والخيانة ، هم شر الدواب ، فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها ، لبعدهم عن الخير .
فهم لا يثبتون على عهد عاهدوه أبدا ، ولا يلتزمون قولا قالوه دائما ، ولو أكدوه بالأيمان المغلظة .
ولهذا كان جزاؤهم التنكيل بهم في الحروب ، والتشريد بهم ، فقال سبحانه ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يتقون ) أي : غلظ عليهم العقوبة ، وأثخنهم قتلا ، ليخاف من سواهم من الأعداء ، ويكونوا لهم عبرة .
ولهذا لم يبق أمام النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن نقض اليهود من بني قريظة عهودهم التي تحتم عليهم ألا يؤوا أعداء المسلمين ، والا يظاهروا على المسلمين بأي نوع من أنواع المظاهرة أو المعاونة ، فلما قدم جنود الأحزاب ونزلوا على حدود المدينة ، نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد ، وساءه ذلك وشق على المسلمين جدا ، فلما أيد الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ونصرهم وكبت أعدائهم وردهم خائبين ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ووضع السلاح ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها إذ تبدى له جبريل عليه السلام ، فقال : أوضعت السلاح يا رسول الله ؟  قال : ” نعم ” قال : لكن الملائكة لم تضع أسلحتها . وهذا الآن رجوعي من طلب القوم ، ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة .
وكانوا على أميال من المدينة ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة ” وتبعهم هو صلى الله عليه وسلم ، ثم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما طال عليهم الحصار ، نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس لأنهم كانوا حلفاؤه في الجاهلية واعتقدوا أنه يحسن إليهم ، فجيء به وكان قد أصيب في أكحله ، فلما جاء إليهم قال : إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذريتهم وأموالهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة ” وفي رواية : ” لقد حكمت فيهم بحكم الملك ” .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخاديد فخدت في الأرض ، وجيء بهم  مكتفين ، فضرب أعناقهم ، وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة ، وسبى من لم ينبت – أي من لم يبلغ – منهم مع النساء والأموال .
ولهذا قال الله تعالى في كتابه ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا  لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا )  ( الأحزاب : 26 – 27 )
وقوله ( وقذف في قلوبهم الرعب )  لأنهم مالؤوا المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم  وأخافوا المسلمين ، وأرادوا قتلهم واستئصالهم لتكون لهم العزة في الدنيا ، فقلب الله عزوجل الحال ، فذلوا بعد عزة ، وأرعبوا بعد طمأنينة ، وقتلهم الله عزوجل ، وباؤوا بالصفقة الخاسرة (1) .

__________

1- انظر حسن التحرير في تهذيب تفسير ابن كثير ( 3/448-449 )

زر الذهاب إلى الأعلى