دعوة

صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 10

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم  ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :

كنا  قد ذكرنا في الحلقة السابقة شيئا من جدال اليهود بالباطل :

ومن جدالهم  : جدالهم فيما حرم عليهم من الأطعمة ، وإنكارهم لذلك ، فقال الله تعالى ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) ( آل عمران :93 ) .

أي : أن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام كان قد حرم أشياء على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، مثل لحوم الإبل وألبانها ، ثم إن التوراة نزلت بتحريم أشياء على بني إسرائيل كانت  حلالا  لهم  ، بسبب ظلمهم وعدوانهم ، عقوبة لهم ، كما قال تعالى  ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) ( النساء :  160 ) .
وقال سبحانه أيضا ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) ثم قال ( ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ) ( الأنعام  : 146 ) .
وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إن أنكر اليهود  ذلك وعاندوا  ، وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم بعض الطيبات عليهم ، أن  يأتوا بالتوراة فيقرؤها ليروا ذلك بأعينهم ، وتقوم به عليهم حجة الله عز وجل .
فلهذا قال ههنا ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون ) .
وهذا من أعظم الدلائل على صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بما أقام عليهم من الأدلة من كتابهم نفسه ، وإخبارهم عما فيه .
ولذلك أتبعه بقوله ( قل صدق الله ) أي : فيما أخبر وحكم  ، ( فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) وهذا دليل على أن اليهود لم يكونوا على ملة إبراهيم عليه السلام .
ثم قال سبحانه ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ) وهذا رد على زعمهم وجدالهم أن بيت المقدس أفضل من الكعبة المشرفة ، والبيت الحرام الذي بمكة ، بأنه أول مسجد وضع في الأرض ، فهو أسبق بناء من بيت المقدس ، وأجمع منه للديانات السماوية .
*  ومن ذلك : كثرة أسئلتهم وجدالهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتعنتهم في ذلك ، بقصد إحراجه .
1-  فمن ذلك فقد جاء في الصحيحين : عن عبد الله بن مسعود قال: ” بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب – أي جريدة نخل –  إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح . فقال  ما رابكم إليه ؟ أي ما دعاكم إلى سؤال تخشون سوء عقباه – وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه , فقالوا : سلوه , فسألوه عن الروح , فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم  فلم  يرد عليهم شيئا , فعلمت أنه يوحى إليه , فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ( الإسراء : 85) .

2-  وفي صحيح مسلم في كتاب الحيض ( 315 ) : عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال : ”  كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك يا محمد ! فدفعته دفعة كاد يصرع منها , فقال : لم تدفعني ؟  فقلت : ألا تقول يا رسول الله ! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله !  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي  ”  فقال اليهودي : جئت أسألك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أينفعك شيء إن حدثتك ؟! ” قال : أسمع بأذني ، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه ، فقال : ” سل ” فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هم في الظلمة دون الجسر – أي الصراط –  . فقال اليهودي : فمن أول الناس إجازة – أي عبورا- على الصراط ؟ قال : ” فقراء المهاجرين ” , فقال اليهودي : فما تحفتهم – أي هديتهم – حين يدخلون الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” زيادة كبد الحوت ” , فقال اليهودي فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ” , فقال : فما شرابهم عليه ؟ قال : ” من عين تسمى سلسبيلا ” فقال اليهودي : صدقت .
قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض ، إلا نبي أو رجل أو رجلان . قال : ” ينفعك إن حدثتك ” فقال اليهودي : أسمع بأذني , ثم قال : جئت أسألك عن الولد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله – أي كان الولد ذكرا – وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا  بإذن الله – أي كان الولد أنثى –  فقال اليهودي : لقد صدقت وإنك لنبي , ثم انصرف فذهب !!”  .
فظاهر الحديث أن هذا اليهودي وهو صاحب علم بالتوراة كما يظهر من أسئلته ، لم يسلم ولم يستفد من أسئلته شيئا ، بل لعله سأل وأكثر من السؤال والاستفصال  من أجل زلزلة الإيمان في قلوب المسلمين ، أو إظهار عجز النبي  صلى الله عليه وسلم عن الجواب ، أو لبث الشكوك والشبهات حول دعوته ودينه ، والله تعالى أعلم

13-  نبذهم لكتاب الله تعالى  واتباعهم  للسحر والشياطين :

وهذه من صفاتهم التي ذكرها الله سبحانه عنهم  في كتابه الكريم ، وهي من استبدالهم الذي هو أدني بالذي هو خير ، وهي من صفاتهم المشهورة ،  ولا يقع فيها إلا أصحاب القلوب المريضة ، والنفوس الخبيثة ، والعقول الطائشة ، فيبيع الغالي النفيس ، بالتافه الرخيص ؟!
وفي ذلك يقول الله تعالى ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أتوا الكتاب  كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت… ) الآيات ( البقرة : 102 ) .
أي : حين جاء اليهود وأحبارهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل باسمه وصفته ، نبذوا ذلك وطرحوه وأعرضوا عنه !! كأنهم لا يعلمون ما فيها ، وأقبلوا على السحر وتعلمه واتباعه ، وما تختلقه الشياطين وتكذبه على نبي الله سليمان عليه السلام ، حيث أخرجت الشياطين للناس السحر ، وزعمت زورا وإفكا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله ، وبه حصل له الملك العظيم ؟! وهم كذبة في ذلك ، فلم يكن يستعمله أبدا ، وقد نزهه المولى سبحانه فقال ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) أي : يغونهم به ويضلونهم .
وكذلك اتبع اليهود وعلمائهم  ما أنزل على الملكين هاروت وماروت  ببابل من أرض العراق ، وكان قد أنزل عليهما السحر امتحانا للناس ، واختبارا من الله لعباده.
قال تعالى ( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ) أي : ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ) أي : ماله في الآخرة من نصيب ، لاستبدالهم بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمون ذلك .
وقوله تعالى ( ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) أي : ولبئس البديل الذي ارتضوه لأنفسهم لو أنهم عقلوا تصرفاتهم .
ثم قال تعالى ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ) أي : لو أنهم آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتقوا محارم الله تعالى ، لكان خيرا لهم وآجر .

زر الذهاب إلى الأعلى