دعوة

صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية ( 13 )

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين
وآله وصحبه والتابعين ،،،
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة ، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم  ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه :

لا زلنا في تعداد النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم ، ولم يقوموا بشكرها ،  وقد ساقها الله عز وجل متصلة في سورة البقرة ، وقد ذكرنا الكلام على بعضها ، وبقي منها :

ز – نعمة التوبة عليهم وإرشادهم إليها :

ذكرهم الله تعالى بهذه النعمة بقوله سبحانه ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) ( البقرة : 54 ) .
أي : واذكروا يا بني إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا ، إذ ظلمتم أنفسكم  بشرككم  بعبادتكم العجل ؟! فدلكم ربكم على ما تتخلصون به من هذا الذنب العظيم ، وتكفروا عن خطئكم الجسيم  ، بأن تتوبوا إلى ربكم وتقتلوا أنفسكم ، حتى يقبل الله توبتكم ، ففعلتم ذلك فقبل الله منكم ، وهو التواب الرحيم الذي يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات .

ح – نعمة بعثهم بعد موتهم :

وقد ذكرهم بهذه النعمة الجليلة ، بعد الآيات السابقة ،  في قوله تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد  موتكم  لعلكم تشكرون ) ( البقرة : 55 – 56 ) .
أي : واذكروا إذ تجاوزتم حدودكم ، وتعنتم في السؤال والطلب ، فقلتم بجفاء وجهل وغلظة : لن نؤمن لك  حتى نرى الله جهرة وعيانا وعلانية ؟!
وهذا غاية الجرأة على الله عز وجل ، وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام ؟!
فأخذنكم العقوبة التي هي الصاعقة ، وهي : الصيحة المهلكة أو النار أو الزلزلة التي أهلكتكم ، بسبب تطاولكم على ربكم سبحانه .
ثم مننا عليكم بلطفنا ورحمتنا ، فعفونا عنكم ، وأحييناكم من بعد موتكم  ، كي تشكروا الله على نعمته  في إعادتكم  للحياة  بعد  مماتكم ،  فبعثهم الله  لبقية آجالهم .

ط – نعمة تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم :

عطف الله تعالى على النعم السابقة ، نعم أخرى ، وهما تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى ، قال الله تعالى (  وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ( البقرة : 57 ) .
والغمام هو السحاب ، وقيل : السحاب الأبيض . والمن : هو مادة صمغية تسقط على الشجر تشبه العسل . والسلوى : طائر بري لذيذ الطعم ويسمى بالسماني ، يأتيهم كل مساء فيمسكونه بأيديهم دون تعب .
ومعنى الآية الكريمة : واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي نعمة إظلالكم بالغمام وأنتم في التيه ليقيكم حر الشمس ، ونعمة إنزال الطعام اللذيذ عليكم وتنويعه ، دون تعب ،  ولا بذل مجهود وكد ، وقلنا لكم : كلوا من طيبات ما رزقناكم من الأرزاق ، واشكروا لله تعالى هذه النعم ، ولكنكم ظلمتم أنفسكم ، ولم تشكروا تلك النعم العظيمة ، وهذا الظلم يرجع ضرره إليكم ولا تضروني شيئا .
فقوله ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) فيه دلالة واضحة على جحودهم للنعمة ، وعصيانهم أمر الله لهم بالشكر .
وقوله ( يظلمون ) يدل على أن ظلمهم وجحودهم ، كان يتكرر منهم .

ك – نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس :

ومن النعم التي ذكرهم الله تعالى بها ، فما قاموا بشكرها ، ولا أحسنوا قبولها ، وهي دخولهم بيت المقدس  ، والراحة من التيه في الصحراء ،  والخلاص من العناء ، في قوله تعالى ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) ( البقرة : 58 – 59 ) .
فهذا أيضا من نعمته تعالى عليهم ، بعد  معصيتهم إياه  فيما  مضى ، فأمرهم بدخول القرية لتكون لهم سكنا ووطنا ، ويحصل لهم بها العيش الرغيد ، وهي بيت المقدس على الصحيح من أقوال العلماء والمفسرين ، وأن يكون دخولهم مع الخضوع لله والتذلل له ، ( سجدا ) أي : راكعين وشاكرين على ما أنعم عليهم من الفتح والنصر ، ورد بلدهم إليهم  ، وإنقاذهم من التيه ، وأن يقولوا : ( حطة ) ، أي : يقولوا اللهم حط عنا خطايانا ، ووعدهم المغفرة والرحمة والزيادة في الفضل والخير .
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يظهر الخضوع والتذلل لله تعالى عند النصر والظفر بالأعداء ، فعندما تم له فتح مكة ، دخل إليها على ناقته وهو كذلك ، خاشعا خاضعا صلى الله عليه وسلم  لربه ، حتى إن رأسه الشريف يكاد يمس عنق ناقته ، شكرا لله تعالى على نعمة الفتح ، وبعد دخوله مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات من الضحى ، وسماها بعض أهل العلم بصلاة الفتح ، والحقيقة أنها صلاة الضحى .
وجاء أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، لما دخل إيوان كسرى فاتحا ، صلى بداخله ثمان ركعات .

ولكن ماذا فعل بنو إسرائيل بعد أن تم  لهم الفتح ، ودخلوا بيت المقدس ؟!
أنهم لم يفعلوا ما أمروا به ، ولم يقولوا ما أمروا به ، ولهذا قال تعالى ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم )  .
وأخرج الإمام البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ” قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ، فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعرة !! ” .
وقال الحافظ  ابن كثير : أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا الباب سجدا ، فدخلوا يزحفون على أستاهم ، رافعي رؤوسهم !! وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي : احطط عنا ذنوبنا وخطايانا ، فاستهزؤوا وقالوا : حنطة في شعيرة ؟! وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه ، بفسقهم وخروجهم  انتهى .

ل – نعمة إغاثتهم بالماء وتفجيره لهم من الحجر  :

يتوالى تذكير الله سبحانه لهم بالنعم الجزيلة  ، فيقول الله لهم ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) (البقرة : 60)
أي : واذكروا يا بني إسرائيل ، نعمة إغاثتكم بالماء لما أصابكم العطش فاستسقيتم نبيكم موسى عليه الصلاة والسلام ، فتوسل إلى ربه وتضرع ، فأجابه الله تعالى إلى ما طلب ، وأوحى إليه أن اضرب بعصاك الحجر ، أي حجر شاء ،  ففعل فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، بعدد أسباطكم ، وصار لكل سبط  منكم  مشرب يعرفه ولا يتعداه ، وقلنا لكم : كلوا وتمتعوا برزق الله ، من مأكول طيب ، ومشروب هنيء سهل ، لا تعب فيه ولا مشقة .
ثم قال لهم محذرا من الأشر والبطر والغرور،  واستعمال النعمة في غير موضعها  ، ونسيان المنعم وشكره ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) أي : فتتحول النعم عنكم  ، وتنقلب إلى نقم وعذاب .
والعثا شدة الإفساد ، وتجاوز الحد في الإفساد إلى غايته .

م – جحودهم للنعمة واستبدالهم الذي هو أدني بالذي هو خير :

ثم ذكرهم الله تعالى بما كان منهم من جحود للنعمة ، واستخفاف  بها ، وطلبهم الذي هو أدنى وتفضيلهم له على ما هو خير !!  بجهلهم وسوء اختيارهم ، وضعف عقولهم ،  قال تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع  لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة  وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك  بما عصوا وكانوا يعتدون ) ( البقرة : 61 ) .
أي : واذكروا يا بني إسرائيل ما كان من سوء اختيار من أسلافكم  ، وسوء أدب مع نبيكم موسى عليه الصلاة والسلام حيث قالوا له ببطر ، وكفر للعيش الرغيد الذي هم فيه  : لن نصبر على طعام المن والسلوى !  فادع لنا ربك أن يخرج لنا مما تنبته الأرض من خضرواتها وعدسها وبصلها ، لأن مللنا وسئمنا من المن والسلوى ؟!!
قال الحسن البصري : فبطروا ذلك فلم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقول وفوم  .
فوبخهم موسى عليه السلام قائلا : أتختارون الذي هو أقل فائدة ، وأدنى لذة ، وأخس منزلة ، على ما هو خير لكم وألذ وأطيب ؟!
( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) أي : إذا كان هذا مطلبكم ، فاتركوا هذا المكان الذي أنتم فيه ، وانزلوا إلى مصر من الأمصار ، تجدوا ما سألتموني إياه من البقل والفوم وأشباهه ، فليس هو بالأمر العزيز .
ثم ذكر تعالى العقوبات التي حلت بهم ، جراء كفرهم لنعمة الله عليهم  ،  فقال ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة  ) أي : وضعت عليهم الذلة والمسكنة ، وألزموا بها شرعا وقدرا ، فلا يزالون كذلك أبدا (وباؤوا بغضب من الله ) أي : رجعوا بغضب الله ، ووجب عليهم واستحقوه .

ن- نعمة عفو الله عنهم برحمته رغم نقضهم لميثاقه :

وقد ذكرهم الله بهذه النعمة بعد الآيات السابقة ، بقوله سبحانه ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ) ( البقرة :  63 – 64 ) .
ومعنى الآيتين : واذكروا وقت أن أخذنا عليكم الميثاق والعهد أن تعبدوا الله وتطيعوا رسوله ، وتعملوا بما في التوراة ، وقلنا لكم : خذوا ما آتيناكم في كتابكم بجد واجتهاد ، واذكروا ما فيه وتدبروه ، لتتقوا الهلاك في الدنيا والآخرة .
ولكن حصل منكم الإعراض عن العمل بما أخذ عليكم من الميثاق ، وتركتم الكتاب ، فلولا أن الله تعالى رأف بكم ورحمكم ، وعفا عن زلاتكم ، لكنتم من الهالكين في الدنيا والآخرة .
ص –  ومن نعمه تعالى عليهم :  ما حكاه الله تعالى في قوله ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) ( البقرة : 243 ) .

فيقص الله علينا قصة الذين خرجوا منهم  من ديارهم وهم ألوف مؤلفة ، قاصدين الهرب  من الموت ، والسلامة  من وباء أو غيره ، ولكن لا يغني حذر من قدر ، ( فقال لهم موتوا ) فأماتهم عن بكرة أبيهم  ( ثم  أحياهم ) إما رحمة من الله سبحانه ولطفا بهم ، وإما بدعاء نبي ، لتكون آية عظيمة على إحياء الله للموتى    ( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) أي : قليل من عبادي الشكور ، الذي يعرف النعمة ويقر بها ، ويصرفها في طاعة الله المنعم .

 

زر الذهاب إلى الأعلى