دعوة

قسوة القلوب !!

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :

فمرض ” قسوة القلوب ” مرض خطير ومنتشر ، ونعنى بقسوة الفلب : ذهاب اللين منه ، وقلة الرحمة فيه ، والبعد عن الخشوع ، وأن صاحبه لا ينتفع بموعظة ، ولا يقبل نصيحة ، ولا يميز بين الحق والباطل ؟!

والقلب القاسي أبعد ما يكون من الله تعالى ، وعن دينه وشرعه وتعاليمه .
وقد ذم الله تعالى في كتابه هذا الداء العضال ، الذي ظهر فى الأمم السابقة كاليهود وغيرهم ، فقال سبحانه مخاطبا لهم وموبخا ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) البقرة : 74 .
أي : صارت قلوبهم كالحجارة في القسوة والصلابة .

وقال تعالى ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نَزَل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمل فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون ) الحديد : 16 .
فنهى تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، الذين لما طال بهم الزمان بالإيمان والعمل الصالح ، قست قلوبهم وملت الطاعة ، وسئمت القربة ، فتغيروا وتغيرت أحوالهم ، ففسقوا وضلوا .

وقد اعتنى الشرع الحكيم بهذا المرض ، وسعى الى تطهير المؤمنين منه ومن صوره , وحث العباد على إصلاح قلوبهم ، وتفقد أحوالهم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ألا وإن فى الجسد لمضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب ” متفق عليه .

وقال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله لا ينظر الى أجسامكم ، ولا الى صوركم ، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم ” رواه مسلم .

قال أهل العلم :
إن القلب إذا صلح ، استقام حال العبد ، وصحت عبادته , وأثمرت له الرحمة والإحسان الى الخلق , وصار يعيش فى سعادة وفرحة تغمره لا تقدر بثمن ، وذاق طعم الأنس بالله ومحبته ، ولذة مناجاته ، مما يصرفه عن النظر الى بهجة الدنيا وزخرفها والإغترار بها ، والركون اليها ، وهذه حالة عظيمة يعجز الكلام عن وصفها , ويتفاوت الخلق فى مراتبها ، وكلما كان العبد أتقى لله ، كان أكثر سعادة ، ومن دخل جنة الدنيا ، دخل جنة الآخرة .

وإذا قسى القلب وأظلم ، فسد حال العبد ، وخلت عبادته من الخشوع ، وغلب عليه البخل والكبر وسوء الظن , وصار بعيداً عن الله ، وأحس بالضيق والشدّة والضنك ، وافتقرت نفسه ولو ملك الدنيا بأسرها ، وحرم لذة العبادة ، ومناجاة الله ، وصار عبداً للدنيا ، مفتونا بها , وطال عليه الأمد !!

وقسوة القلوب من علامات الساعة :
فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أول ما يرفع من الناس الخشوع ” رواه الطبراني ( 7/ 295 ) وغيره .

ومما يدل على انتشار هذا المرض الخطير ” قسوة القلب ” في الأمة اليوم ، المظاهر الآتية :

* عدم الشعور بالخشوع فى الصلاة والعبادة .
* عدم التأثر بسماع القرآن وتلاوة آياته ، والتباكي عند ذلك .
* عدم التورع عن الشبهات أو المحرمات فى المعاملات وغيرها .
* الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين ، وعدم المبالاة بذلك ؟!
* انتشار العقوق للوالدين ، وقطيعة الأرحام بين الأسر .
* الغلظة والجفاء في التعامل مع الناس ، وسوء الظن بين الإخوان .

وكلها علامات تدل على قسوة الفلب ، وذهاب اللين والرحمة والخشوع منه .

وهناك أمور تقسي القلب من أهمها :

1- الإعراض عن ذكر الله تعالى : قال تعالى ( ومن أعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) طه : 124.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” مثل المؤمن الذى يذكرُ ربه ، والذى لا يذكر ربه ، مثلُ الحي والميت ” رواه البخاري في الدعوات ( 6407) .

2-  التفريط فى الفرائض ونقض عهد الله : قال الله تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) المائدة : 13.
فجعل قسوة قلوبهم من العقوبات التي عوقبوا بها ، فلا تجدي فيها المواعظ ، ولا تنفعها الآيات والنذر .

3- فعل المعاصي والمحرمات : وهو من أعظم الأسباب لقسوة القلب ، قال تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) المطففين : 14.

وورد فى الحدبث الصحيح : ” إن العبد إذا أذنب ذنبا ، كانت نكت نكته سوداء فى قلبه ، فإن تاب منها ، صقل قلبه ، وإن زاد زادت ، فذلك قول الله ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) المطففين : 14 . رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة .
والمجاهرة بالمعاصي أشد ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” كل أمتي معافى الا المجاهرين ” متفق عليه .

4- الجهل  بالدين ، وترك التفقه فيه : قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فاطر : 28 .
فمن كان بالله أعلم ، كان أكثر خشية له ، فالجهل من أعظم اسباب قسوة القلب ، وقلة الخشية من الله عز وجل .

5- اتباع الهوى والشهوات ، وعدم قبول الحق والعمل به : قال تعالى ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) الصف : 5.
أي : لما تركوا الحق عمدا وانصرفوا عنه ، صرفهم الله عن الهدى .

6- النظر فى كتب أهل البدع والتأثر بمذهبهم : فان الاشتغال بها يصرف المسلم عن الكتب النافعة ويحرمه من الانتفاع بها. وقال الشافعي : المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن.

7- التوسع في المباحات وفضول النظر والطعام والنكاح : فالإكثار من ملذات الدنيا ، والركون إليها مما يقسي القلب ، وينسيه الآخرة كما ذكر أهل العلم .

8- كثرة الضحك والإنشغال باللهو : ففي الحديث الصحيح : ” وإياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ” رواه الترمذي .
فالقلب إذا اشتغل بالباطل ، انصرف عن الحق وكرهه وأنكره .

9- كثرة مخالطة الناس : فالقلب يقسو بكثرة الخلطة في غير طاعة ،  ويقل فيه الإيمان بالإكثار من ذلك .

* أكل الحرام : ذكرالرسول صلى الله عليه وسلم الذى يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء يارب يارب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنّى يستجاب له ” رواه مسلم .

نسأل الله أن يصلح قلوبنا ، ويسدد ألسنتنا ، ويكفينا شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، إنه سميع مجيب الدعاء .

زر الذهاب إلى الأعلى