مقالات

الزَّكاة قرينة الصَّلاة في كتاب الله

الزَّكاة قرينة الصَّلاة في كتاب الله

الزَّكاة قرينة الصَّلاة في كتاب الله

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد :

فشهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة، وشهر الكرم والجود والسخاء, يحرص كثير من للمسلمين فيه على البذل والعطاء والسخاء دون بقية الشهور, فتراهم يُكثرون مِنَ الصَّدقات فيه، ولا يُخرجون زكاتهم إلا في هذا الشَّهر المبارك، رجاء أنْ يتعرّضوا للنّفحات الإيمانية، والمنح الإلهية, وأملاً في أنْ يتقبلها منْهم ربُّ البرية، سبحانه وتعالى .

وقد فُرضت الزَّكاة في السَّنة الثانية مِنَ الهجرة النبوية, وبَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السُّعاة لقبضها وجِبَايتها، لإيصالها إلى مُسْتحقيها, ومضت بذلك سُنّة الخلفاء الراشدين المهديين، وعمل المسلمين .

لكن هذه الفريضة- فريضة الزكاة- كغيرها من الفرائض والعبادات، دخلها كثيرٌ من التهاون والتساهل في أدائها، وكثير الأخطاء والمخالفات، بأسبابٍ متعددة، كالبُعد عن العلم، وعن التفقه في الدّين، وسُؤال أهله وحضور مجالسهم .

وأعظم تلك الأخطاء، التي يقع فيها كثيرٌ من الناس اليوم في هذه الفريضة:

التَّهاون في إخْراج الزَّكاة، والتَّساهل فيها، وربَّما إهْمالها بالكلية وتناسيها؟!

ومعلوم أنَّ الزكاة أحدُ أرْكان الإسْلام، ومبانيه العظام، وفريضة من فرائض الدّين، أجمع المسلمون على فرضيتها, وأنَّها الركنُ الثالث من أركان الإسلام, وأجمعوا على كُفر مَن جَحَد وجوبها, وقتال مَنْ منع إخراجها، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثلاثين موضعاً (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة), مما يدلُّ على عِظم شأنها, وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة المكتوبة, ووثاقة الارتباط بينهما، والدلالة على إيمان صاحبها .

قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) التوبة: 11.

قال أبو جعفر الطبري: “يقول جلَّ ثناؤه: فإنْ رَجَع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم، أيُّها المُؤمنون، بقتلهم عن كفْرهم وشِركهم بالله، إلى الإيمان به وبرسوله، وأنابوا إلى طاعته (وأقاموا الصلاة)، المكتوبة، فأدّوها بحُدودها (وآتوا الزكاة)، المفروضة أهلَها (فإخوانكم في الدين)، يقول: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به, وهو الإسلام”.

وفى مطلع سورة لقمان قال: (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) لقمان: 3-4. 

وفي سورة المؤمنون بيَّن الله تعالى أوصاف الذين يرثون الفردوس فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) المؤمنون: 4. 

وفى سورة فصلت قال تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) فصلت: 6 – 7.

فمِن صفات المشركين؛ أنَّهم لا يؤدُّون زكاة أموالهم.

وإيتاء الزكاة عبادةٌ مالية، فَرَضها اللهُ سبحانه وتعالى على عباده، طُهرةً لنفوسهم من البُخل، ولصحائفهم من الخَطايا، وبركةً لأموالهم، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) التوبة : 103.

كما أنَّ فيها إحساناً إلى الخَلق، وتأليفاً لقلوبهم، وسدَّاً لحاجاتِهم، وإعْفافاً للناس عن ذلّ السؤال.

وفي المقابل: إذا منع الناسُ زكاة أموالهم، كان ذلك سبباً لمَحْق البركة منها، بل وحُصول القحط والجَدب الأرض، مصداقاً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : “.. ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم، إلا مُنعوا القَطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا… “. رواه ابن ماجة .

ونحوه من حديث بريدة رضي الله عنه، رواه الحاكم والبيهقي .

وقد توعّد الله سبحانه وتعالى مانعي الزكاة؛ بالعذاب الشَّديد في الآخرة، بدخولِ النار نسألُ الله السلامة والعافية، فإطعام المسكين من لوازم الإيمان، ففي سورة المدثر وهى من أوائل ما نزل من القرآن، يقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنْ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) المدثر:38-46.

وقال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) آل عمران: 180.

وجاء في صحيح مسلم في كتاب الزكاة (2/680): حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ما مِنْ صَاحبِ ذهبٍ ولا فضة لا يُؤدِّي منها حقَّها، إلا إذا كان يومُ القيامة، صُفّحت له صَفائح مِنْ نارٍ، فأُحْميَ عليها في نارِ جَهنم، فيُكوى بها جَنْبه وجَبينه وظَهره، كلَّما بَرَدت أُعِيدتْ له، في يومٍ كان مِقْداره خمسينَ ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيَرى سَبيله إما إلى الجنة، وإمَّا إلى النار…” .

 ومِصْداقه قوله تعالى في كتابه: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يُحمى عليها في نارِ جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظُهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) التوبة: 34 -35 .

فكان عقابه من الله سبحانه؛ بماله الذي بَخِل به على العباد .

ثانيا: من أخطاء كثير من المسلمين: تأخير الزكاة عن وقتِ وجوبها، والَتساهلُ في عدم تعجيلها، والمُماطِلُة في إخراجِها، وهذا أيضاً مِن كبائرِ الذُّنوب، إلاّ إذا كان ثَمَّ عذرٌ شرعيٌّ، فقد صحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “آكلُ الرِّبا، ومُوكِله، وشَاهداه إذا عَلِماه، والواشِمة، والمُوتَشِمة، ولاَوي الصَّدقة، والمُرتدّ أعْرابياً بعد الهِجْرة، مَلعونونَ على لسَان مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يوم القيامة”. رواه ابن خزيمة في صحيحه.

ورواه ابن أبي شيبة (9674) مختصراً: قال: “لَاوِي الصَّدَقَةِ- يَعْنِي مَانِعَهَا – مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ” .

ففي الحديث أنَّ “لاَوِي الصَّدقَةِ” أي: مُؤَخِّرَهَا، من جملةِ الملعونين على لِسَانِ محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، والعياذ بالله تعالى .

 ولهذا يجبُ على مَن مَلَكَ نِصَابًا أن يُدوِّنَ ويُقيِّدَه في كتابٍ، وأن يُحصيه باليوم والشَّهر، فإذا دار عليه حَوْلٌ، أخرج زكاته فوراً في اليومِ الَّذي وَجَبَتْ فيه، ولا يُؤَخِّرُها عن ذلك اليوم، دون سبب أو انتظار لفقير .

فعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: “صلَّيتُ مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم العصر؛ فلمَّا سلّم، قام سريعًا حتَّى دخل على بعضِ نسائه، ثمَّ خرج ورأى ما في وُجُوه القوم مِن تعجُّبِهِمْ لسُرعته، فقال: “ذَكَرْتُ وأنا في الصَّلاةِ تِبْرًا- يعني ذهبًا أو فضَّةً– عندنا، فكرِهْتُ أن يُمْسِيَ أو يَبِيتَ عندنا، فأَمَرْتُ بقِسْمَتِهِ”.  رواه البخاري .

تنبيه (1): لا تَجبُ الزكاة في المال، إلا إذا بلغ النصاب الشرعي، المقرّر في الأحاديث النبوية، وإخراج الزكاة منَ المال قبل بلوغه النصاب؛ يعتبر صدقة تطوع، وليس زكاة، فالمال لا تجب فيه الزكاة المفروضة، حتى يبلغ النصاب، ويحول عليه الحول .

قال ابن قدامة رحمه الله : ” لا يَجوزُ تَعجِيلُ الزَّكَاةِ قبلَ مِلْكِ النِّصَابِ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْنَاهُ، ولو مَلَكَ بعضَ نِصَابٍ، فَعَجَّلَ زَكاتَهُ، أَو زَكَاةَ نِصَابٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لأَنَّهُ تَعَجَّلَ الحُكْمَ قبلَ سَبَبِهِ ” .

انتهى من “المغني” (2/ 471).

نبيه (2): من تهاون في إخراج الزكاة فيما مضى من السنين : فهو آثم، مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وتلزمه التوبة والاستغفار، والمُبادرة إلى إخراج الزكاة عمّا مَضى، لأنَّها حقّ الفقراء في ماله .

 فإنَّ كان يعلم مقدار المال الذي كان يَملكه، ووجبتْ فيه الزكاة؛ أخرج زكاته عن كل سنةٍ مضتْ عليه، بمقدارها المشروع، لتبرأ ذمته منها .

وإنْ عَسُر عليه الأمرُ، ولم يقدر على حِساب المال وزكاته، أو عَرَفها في بعض الأعوام، وجهلها في بعض: فليتحرّ قَدْر الزكاة بقدر طاقته، وليُخرجها على ذلك.

نسأل الله تعالى أنْ يهدينا لما يحبُّ ويرضى، ويوفقنا للعمل الصالح، والعلم النافع، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى