أرشيف الفتاوىفتاوى

حُكمُ أكلِ الحَشَرات

حُكمُ أكلِ الحَشَرات

حُكمُ أكلِ الحَشَرات

 السؤال:  ورد سؤال من بعض الناس عمّا يشاع عن أكل الحشرات؟ وحكم ذلك شرعا؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فعامّة أهلِ العلم، والمذاهب الفقهية مِنَ الحنفيّة والشافعية والحنابلة، يُحرّمون أكلَ الحَشَرات؛ لأنّها مِنَ الخبائثِ المُسْتقذَرة.

وقد قال الله تعالى في صِفة هذه الأُمّة العظيمة: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف: 157.

فقوله سبحانه: (الذين يتبعون الرسولَ النّبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل)، هذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء السابقين، بشّروا أممهم ببعثته، وأمروهم بمتابعته، ولمْ تزلْ صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم.

قالوا: ولأنَّ الطّباع السليمة، والفطَر المستقيمة؛ تَنْفر مِنْ أكلها.

ويستثنون منْ ذلك الجراد، المجمع على حلّه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أُحلّتْ لنا مَيْتتان ودمان، فأمّا الميتتان: فالحوتُ والجَراد، وأمَّا الدَّمان: فالكبدُ والطُّحال”. أخرجه أحمد والبيهقي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وزاد الشافعية والحنابلة: الضَّب، فإنّه من الحشرات التي يُباح أكلها، مستدلين بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلتُ أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتي بضبٍّ مَحْنُوذ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرامٌ هو يا رسول الله؟ قال: “لا، ولكنّه لمْ يكنْ بأرضِ قومي، فأجدني أعافه”. قال خالد: فاجْتزرته فأكلته، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْظر. أخرجه البخاري.

– قال النووي رحمه الله في مذاهب العلماء في حشرات الأرض، كالحيات والعقارب والجُعلان وبنات وردان والفأرة ونحوها: مذهبنا أنّها حَرام، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وداود …

قال: واحتجّ الشافعي والأصْحاب، بقوله تعالى: (ويُحرّمُ عليهمْ الخَبَائث) وهذا ممّا يَسْتخبثه العرب.

وبقوله صلى الله عليه وسلم: “خَمْسٌ مِنَ الدَّواب كلهنّ فاسق، يُقْتلن في الحَرَم: الغُراب، والحَدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور”. رواه البخاري ومسلم، من رواية عائشة وحفصة وابن عمر.

وعن أم شريك رضي الله عنها: “أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بقتل الأوْزَاغ”. رواه البخاري ومسلم.

والأوزاغ جمع وَزَع، وهو سام أبرص المعروف عندنا باسم: البريعصي.

وأما قوله تعالى: (قلْ لا أجِدُ فيما أوْحِي إليّ مُحرّماً) الآية، فقال الشافعي وغيره من العلماء: معناها ممّا كنتم تأكلون وتَسْتطيبون، قال الشافعي: وهذا أولى معاني الآية، اسْتدلالاً بالسّنّة، والله أعلم.

وقال في المهذّب: “ولا يحلّ أكل حشرات الأرض كالحيات والعقارب والفأر والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان وبنات وردان وحمار قبان، لقوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث). انتهى.

أمّا ما جاء في حاشية العدوي المالكي: وَيُبَاحُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ التي لَا تَفْتَرِسُ… وَحَيَّةٍ أُمِنَ سَمُّهَا، وَسَائِرِ خَشَاشِ الْأَرْضِ…

فقولٌ شاذٌ غير صحيح، ومُخالف للأدلة السابقة.

– وكذا تحريمُ ما أمرَ الشارع بقتله؛ معلومٌ من الشّرع، فكلُّ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بقتله فإنّه يَحْرم أكله، فإنّه لا يتوصّل إلى أكله إلا بقتله.

فما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله، خمس من الدواب، وهي: الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور.

رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.

– وكذلك ما نَهَى عن قتله من الدواب: كالنّملة والنّحلة والهدهد والصُّرد والضفدع، فإنه لا يجوز أكْلها، لأنه لا يتوصل إلى أكلها إلا بقتلها، كما روى أبو داود بإسناد صحيح: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: “نَهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد”.

وروى البيهقي في سننه: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: “أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قتلِ خَمسة: النَّملة والنَّحْلة والضَّفدع والصرد والهُدْهد”.

فكلّه ممّا لا يَحلّ أكله.

– وكذا تحريم ما تغذّى على النّجاسات، فالدّجاج أو البقر أو غيرها إذا أكلت النّجاسات صَارت منَ الجَلّالة، التي نَهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلها، فقد أخرج أصْحاب السنن: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أكلِ الجلّالة وألْبَانها”.

والجلالة هي كلُّ ما يأكل النجاسة.

والله تعالى أعلم

 وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

 وكتبه / د. محمد الحمود النّجدي

زر الذهاب إلى الأعلى