أرشيف الفتاوىفتاوى

زيارة القبور للنساء

زيارة القبور للنساء

زيارة القبور للنساء

 السؤال: ما حُكْم زيَارة القُبُور للنِّسَاء؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد:

فالصَّحيح في هذه المَسْألة: هو عدمُ جواز زيارة المرأة للقبور.

وقد اختلف أهل العلم في زيارة القبور للنساء، فذهب الجمهور إلى الكراهة، واحتجوا بأدلة منها:

1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لعنَ اللهُ زوَّارات القُبُور”.

أخرجه الترمذي (1056)، وابن ماجه (1576)، وأحمد (8430). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن عدي في “الكامل في الضعفاء” (6/81): لا بأس به، وصححه ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (24/360)، وحسّنه الألباني في “صحيح سنن الترمذي” (1056).

ونحوه من حديث ابن عباس، ومن حديث حسان بن ثابت الأنصاري عنهم جميعا.

وأخذ العلماء منَ الحديث: أنّ الزيارة للنّساء مُحرمة وليست مكروهة فقط؛ لأنّ اللعنَ لا يكون إلا على مُحَرّم، بل يدلّ على أنّه مِنَ الكبائر؛ لأنّ العلماء ذكروا أنّ المعصية التي يكون فيها اللّعن، أو فيها وعيدٌ بالنار، تُعدّ مِنَ الكبائر.

قال النووي في “المجموع” (5/310): “وأَمَّا النِّسَاءُ: فَقَالَ المُصَنِّفُ وصَاحِبُ البَيَانِ: لَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ، وهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ، ولَكِنَّهُ شَاذٌّ فِي المَذْهَبِ، واَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (يعني: جمهور الشافعية) أَنَّها مَكْرُوهَةٌ لَهُنَّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ”.

– والحديث يدلُّ على أنّ النساء غير داخلاتٍ في قوله صلى الله عليه وسلم: “نهَيْتُكم عن زيارَةِ القُبورِ فزُورُوها”. رواه مسلم.

فقوله: “فزُورُوها” أولاً هو خَطابٌ للرجال، لأنّه صيغة تذكير.

ثمّ ما ثبتَ من نهيه السابق للنساء عن زيارة القبور، يدلّ على أنّ الإذن خاصٌ بالرجال، كما قاله شيخ الإسلام، انظر فتاوى ابن تيمية (24/244-245).

– وكذا قولهم: إنَّ أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها زارت قبرَ أخِيها؛ فالجواب: إنَّ أُمَّ المُؤمنين عائشة رضي الله عنها لمْ تَقْصد الخُروجَ لزيارة القبور؛ وإنَّما مرَّت على قبر أخيها في طَريقها للحَجِّ، فوقفَت عليه، وهذا لا مانع منه.

قال: ولو كانت عائشة تعتقد أنَّ النّسَاء مأمورات بزيارة القبور؛ لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرجال، ولمْ تقلْ لأخيها: “لَمَا زُرتُك”. “مجموع الفتاوى” (24/353).

2- ومما استدل به على منع الزيارة: ما ورد عن أمّ عطيّة رضي الله عنها أنّها قالت: “نُهينَا عن اتِّبَاعِ الجَنَائز”.

أخرجه البخاري (1278)، ومسلم (938).

والنّهيُّ الأصْل فيه التّحريم.

ومعلومٌ أنّ اتّباعها الجنازة؛ وسيلةٌ إلى مقصدٍ مُحرّم وهو الزّيارة، والقاعدة عند العلماء: أنّ الوسائل لها أحْكام المقاصد، فقالوا: يَحْرم عليها أيضاً زيارة القُبور.

وأما قولها: “ولمْ يُعزم علينا” فهو ظنٌّ منها أنّه ليس بنهي تحريم، والحجّة في نَهي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا في ظنّها.

3- وكذا ما جاء عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: “مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بامرأةٍ تَبْكي عند قبرٍ، فقال: “اتَّقي اللهَ واصْبري”. قالت: إليكَ عَنِّي؛ فإنكَ لم تُصَبْ بمُصيبتي- ولم تعرِفْهُ- فقيل لها: إنَّهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتت بابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلم تَجِدْ عندَه بوَّابِينَ، فقالت: لم أعرفْكَ، فقال: “إنَّما الصّبرُ عندَ الصَّدْمةِ الأُولى”. رواه البخاري ومسلم.

فقوله لها: “اتقي الله” دليلٌ على أنّها فعلت مُحرّماً، كما ذكره الإمام ابن القيم وغيره.

وفيه: رِفقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناس وكريمُ خُلقِه؛ حيثُ لم يَنتهِرِ المرأةَ لَمَّا ردَّتْ عليه قولَه، بل عذَرَها بمُصيبتِها.

* فالصّواب إذن: أنّ زيارة النِّساء للقبور مُحرّمة لا مكروهة فقط؛ لما سَبق من الأدلة.

– ولعلّ السبب في ذلك والله أعلم: أنّهنّ في الغالب قليلات الصّبر، فالنساء فيهن رقّة قلب، وكثرة جزع، وقلة احْتمال للمصائب، وهذا مظنّة لبكائهن ورفع أصواتهن، فقد يحصل منهن من النياحة والجزع والصّياح ونحوها ما ينافي الصّبر الواجب.

وأيضاً: فهنّ فتنة حتى في بكائهنّ، فزيارتهنّ للقبور، واتباعهن للجنائز، قد يَفْتَتِنُ بهنّ الرجال، وقد يَفْتَتِنَّ هنّ بالرجال، والشّريعة الإسْلامية الكاملة جاءت بسدّ الذرائع المُفْضية إلى الفساد والفتن، وذلك منْ رحمة الله بعباده.

كما أنّ العويل والصّياح يؤذي الميت.

والقول بالمنع من الزيارة؛ هو قول المُحقّقين من الشافعية والحنابلة، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وترجيح ابن القيم رحمهما الله، واختيار الشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ومشايخ اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية وغيرهم.

والله تعالى أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى