أرشيف الفتاوىفتاوى

فضائلُ المَسْجد الأقْصى

فضائلُ المَسْجد الأقْصى

فضائلُ المَسْجد الأقْصى

 

السؤال: ما هي فَضائل المَسْجد الأقصى الثابتة؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصّلاة والسلام على رسُول الله، وآله وصحبه ومَنْ اهتدى بِهُداه.

وبعد:

فإنّ المَسْجد الأقصى- حرّره الله- مسجدٌ عظيمٌ مبارك، له مكانةٌ عالية في نُفُوس المُسْلمين، ومنزلةٌ رفيعة عند المُؤمنين، وقد خصّه الله تعالى بفَضَائل كريمة، وخصائصِ عظيمة، دلّت عليها الأدلّة مِنَ الكتاب والسُّنة.

أمّا القرآن الكريم: فيقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء: 1.

فهو مسجدٌ مُباركٌ وما حوله مُبارك، ولو لمْ تكنْ فيه فضيلة إلا هذه الآية؛ لكانتْ كافية؛ لأنه إذا بُورك ما حَوله، فالبَركة فيه أعْظم.

وفي الآية: أنّه مَسْرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه مِعْراجه إلى السماوات العُلا.

ومنها: أنّه مُقدّس أي مُطهّر: قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) المائدة: 21.

ومنها: أنّه مُهاجر الأنْبياء ومَقرّهم، قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 71.

وقال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) الأنبياء: 81.

وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) سبأ: 18.

* ومِنْ فضائله في السُّنة النّبويّة:

1- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى فيه ركعتين عندما أُسْري به: فروى مسلم في صحيحه: من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أُتِيتُ بِالبُرَاقِ، وهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمَارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَال: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ. قَال: فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ التي يربط بها الْأَنْبِيَاءُ. قَال: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ…”.

2- ومنْها: أنّه قِبلة المُسْلمينَ الأولى: فروى الإمام أحمد في مسنده: من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: “كان رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي بمكّة نحو بيتِ المَقْدس، والكعبةُ بين يَديه، وبَعْدما هَاجَر إلى المَدينة ستةَ عَشَر شَهراً، ثمّ صُرفَ إلى الكَعْبة”.

– وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لمَّا قدمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ صلَّى نحوَ بيتِ المقدسِ ستَّةَ أو سبعةَ عشرَ شَهرًا، وَكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يحبُّ أن يوجِّهَ إلى الكعبةِ فأنزلَ اللَّهُ تعالى: (قدْ نَرَى تقلُّبَ وجْهِك في السَّماءِ فلنولِّينَّكَ قبلةً تَرْضَاها فولِّ وجهَك شَطرَ المَسْجدِ الحَرام) البقرة: 144. فوجَّهَ إلى الكعبةِ، وَكانَ يحبُّ ذلِك…”. رواه البخاري.

 3- ومنها: أنّه ثاني مَسْجد وُضِع في الأرض: فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما: من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَال: “المَسْجِدُ الحَرَامُ”، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: “المَسْجِدُ الأَقْصَى”، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: “أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ”.

4- ومنها: أنّه ثالثُ المَسَاجد التي تُشَدُّ الرِّحال إليْها: فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ومَسْجِدِ الأَقْصَى”.

5- ومنها: أنّه مَهْوى أفئدة الأنْبياء: فقد بوب البخاري في صحيحه: باب مَنْ أحبّ الدَّفنَ في الأرْض المقدسة أو نحوها، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، … فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ”، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ؛ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ”.

فموسى عليه السلام سألَ ربَّه أنْ يُقرِّبَه مِن بيتِ المَقْدِسِ مَسافةَ رَمْيِ حجَرٍ، بحيثُ لو رَمى رامٍ حجَراً مِن ذلك الموضعِ الَّذي هو مَوضِعُ قبرِه، لَوصلَ إلى بيتِ المَقدِسِ، فاسْتجابَ له ربُّه.

وفيه: اسْتحبابُ موت الإنسان بقُرْبِ مكانٍ فَاضلٍ، وأرضٍ فاضلة، كمكة والمدينة والأقصى وغيرها.

6- ومنْها: أنّ زيارته بنيّة الصّلاة؛ مَغْفرة للذُّنُوب: فروى الإمام أحمد في مسنده: من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ ثَلاَثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ، ونَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ؛ فَسَأَلَهُ: حُكْماً يُصَادِفُ حُكْمَهُ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وسَأَلَهُ: مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وسَأَلَهُ: أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ؛ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ؛ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ﮎ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ”. ورواه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني.

7- ومنْها: أنَّ الصّلاة فيه مُضَاعفة الى مائَتِين وخَمْسين صلاة: فروى الحاكم في المستدرك: من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: تَذَاكرنَا ونَحنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أيُّهما أفْضَل؟ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مَسْجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا؛ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، ولَنِعْمَ الْمُصَلَّى، ولَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا” – أو قال: “خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”. وصححه الألباني في صحيح الترغيب.

وهذا يفيد أنّ فَضلَ الصّلاة في المَسْجد النّبوي- وهي بألفِ صَلاة- أربعة أضْعاف الصّلاة في الأقْصَى.

 8- ومنْها: أنّ المَسيحَ الدَّجّال لا يَدْخله: روى الإمام أحْمد في مسنده: من حديث جنادة بن أمية الأزدي قال: ذَهبتُ أنا ورجلٌ مِنَ الأنْصار إلى رجلٍ منْ أصْحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: حدّثنا ما سَمعتَ منْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذْكر في الدّجال، ولا تحدّثنا عن غيره وإنْ كان مصدّقاً، قال: خَطَبنا النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أَنْذَرْتُكُمُ الدَّجَّالَ- ثَلَاثًا -، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ، وإِنَّهُ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، وإِنَّهُ جَعْدٌ آدَمُ مَمْسُوحُ العَيْنِ اليُسْرَى، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وجَنَّتُهُ نَارٌ، ومَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ ونَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، وإِنَّهُ يُمْطِرُ المَطَرَ ولَا يُنْبِتُ الشَّجَرَ، وإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا ولَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وإِنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، يَبْلُغُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ، ولَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، ومَسْجِدَ المَدِينَةِ، ومَسْجِدَ الطُّورِ، ومَسْجِدَ الْأَقْصَى، ومَا يُشَبَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ”. المسند (23683) قال المحققون: إسناده صحيح.

 9- ومنْها: أنّ هلاك يأجوج ومأجوج فيه: فروى مسلم في صحيحه: مِنْ حديث النّوّاس بن سمعان رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر يأجوج قال: “…ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الخَمَرِ -وهُوَ جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ- فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ علَيْهِم نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا..” وفي تتمة الحديث: “فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَىَ عليه السلام وأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ”.

 تنبيه: وأيضاً: كلُّ ما ورد في فضائل الشّام مِنْ أحاديث؛ يدخل فيه المَسْجد الأقصى.

اللهمّ يا حيُّ يا قيّوم يا ربّ العَرْش العَظيم، نسألُك باسْمك الأعْظم، وبكلّ اسمٍ هو لك، نسألك أنْ تُحرّر المَسْجد الأقصى وفلسطين، من كيد الصهاينة المُعتدين، اللهم حرّر المسجد الأقصى مِنْ أيدي الأعْداء، ربّنا كنْ عوناً لإخْواننا وأهلنا في فلسطين.. وأيّدهم بنَصرك العظيم.

اللهمّ إنا نَسْتودعك بيتَ المَقدس.. وأهلَ القُدس، وكلّ فلسطين.. ربّنا كنْ لهم نَصيراً وعَوناً في مِحْنتهم، يا ذا الجلال والإكرام.

ربّنا اعْفُ عنّا جميعاً، وثبّتْ قلوبَنا على الحقّ يا ربّ العالمين.

اللهم إنّا نسألك أنْ تَحفظَ أهْلَنا وإخواننا في فلسطين.. وتشتّت شمل الأعداء يا رب العالمين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصَحبه أجمعين.

وكتبه

د. محمّد بن حَمَد الحُمُود النّجْدي

زر الذهاب إلى الأعلى